الآداب التربوية لطالب العلم مع کتابه ‏من خلال کتاب الدر النضيد لأبي البرکات الغزي ت(984هـ)

 

 

                                     کلیة التربیة

        کلیة معتمدة من الهیئة القومیة لضمان جودة التعلیم

        إدارة: البحوث والنشر العلمی ( المجلة العلمیة)

                       =======

 

 

 

الآداب التربویة لطالب العلم مع کتابه

‏من خلال کتاب الدر النضید لأبی البرکات الغزی ت(984هـ)

 

 

 

إعــــــــــداد

د/ عبداللطیف العرینی

 

 

 

}     المجلد السادس والثلاثون– العدد الخامس -  مایو 2020م {

http://www.aun.edu.eg/faculty_education/arabic

 

المستخلص

وقد استخدم الباحث المنهج الاستنباطی ،کما هدف البحث إلى التعرف على ‏الآداب التربویة لطالب العلم مع کتابه من ‏خلال کتاب الدر النضید فی أدب المفید والمستفید لأبی البرکات بدر الدین محمد بن محمد الغزی وذلک من خلال التعرف على آداب طالب العلم  فی اقتناء الکتب، وإعارتها، وفی آداب طالب العلم فی قراءتها و ترتیبها، وفی آدابه فی نسخها وتحقیقها، وفی آدابه فی تألیف الکتاب وطباعتها، وقد توصل الباحث إلى نتائج من أبرزها :أنّ التراث التربوی الإسلامی قد استوعب جمیع الآداب التربویة المتعلقة بعملیة التعلیم والتعلم، وأنّ أبا البرکات الغزی رحمه الله تعرض لأدق التفاصیل فی آداب طالب العلم مع کتبه، کما أنّ آداب طالب العلم مع کتابه عند أبی البرکات الغزی رحمه الله یمکن إبرازها من خلال خمسة محاور:آداب طالب العلم فی تحصیله للکتاب، وآداب طالب العلم فی إعارة الکتاب‏، وآداب طالب العلم فی مطالعة الکتب وترتیبها، وآداب طالب العلم فی تحقیق کتابه وضبطه، وآداب طالب العلم فی إخراج الکتاب وطباعته، ویوصى الباحث بالعنایة بالآداب الواردة فی هذا البحث والمستنبطة من کتاب الدر النضید لأبی البرکات الغزی رحمه الله، وملاحظة الجوانب الشرعیة الواردة من خلال الآداب وعدم التفریط بها، والعمل على نشر هذه الآداب فی أوساط المتعلمین، وطلاب العلم، لتعم الفائدة .

الکلمات المفتاحیة: طالب العلم، أبی البرکات الغزی، الدر النضید، الآداب التربویة .

 

 

 

 

 

Abstract

The researcher used the deductive method, as the research aimed to identify the educational ethics of student of knowledge through the book "al-Dur al-Nadid fi Adab al-Mufi wal Mustafid by Abu al-Barakat Badrudeen Muhammad bin Muhammad al-Ghazzi, by identifying the ethics of the student of knowledge in the acquisition of books and loaning them, and in the ethics of student of knowledge in reading and arranging them, and in his ethics in copying and investigating them, and in his ethics in writing and publishing the book. The most prominent results are: that the Islamic educational heritage has entailed all educational ethics related to the process of teaching and learning, and that Abu al-Barakat Al-Ghazzi presented the most accurate details on the ethics of student of knowledge with his books. That the ethics of student of knowledge with his book in the opinion of Abu al-Barakat Al-Ghazzi, can be highlighted through five points: The ethics of student of knowledge in his collection of the book, the ethics in loaning the book, the ethics in reading and arranging books, the ethics in investigating and perfecting his book, and the ethics in producing and publishing the book. The researcher recommends paying attention to the ethics mentioned in the research and extracted from the book "al-Dur al-Nadid" by Abu al-Barakat al-Ghazzi, noting the Shariah` aspects mentioned through the ethics and not neglecting them, and working to disseminate these ethics among the educated, and students of knowledge, to spread the benefit.

Key words: Student of knowledge, Abu al-Barakat Al-Ghazzi, al-Dur al-Nadid, Educational ethics.

 

 

مقدمة :

طلب العلم ونشره بین الناس من أشرف الأعمال وأفضلها، وهو أشرف ما بذلت فیه الأنفاس وقد رفع الله قدر صاحبه وأعلى شأنه، وأهل العلم فی کل زمان هم أشرف الناس وأکثرهم  التزاماً بما تعلموا وبما یعلمونه للناس، قال تعالى (یَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ مِنکُمْ وَٱلَّذِینَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَٰتٍۢۚ) المجادلة آیة (11) وقد دلت الآیة على فضیلة العلم ،وأنّ زینته وثمرته التأدب بآدابه والعمل بمقتضاه. (السعدی ،1793، 1422ه) ، وهنا یتأکد أنّ أولى الناس بالالتزام بآداب طالب العلم هم طلاب العلم أنفسهم  "لأنّ العلم  من غیر أدب ولا أخلاق فیه دخن بل قد یضر بصاحبه" ( الغزی ،1430   ،13)   وقال صلى الله علیه وسلم "فضل العالم على العابد کفضلی على أدناکم "(الترمذی، حدیث 2686)‏، ومن جملة الآداب التی یجب أن یلتزم بها طالب العلم ما یتعلق بآدابه مع معلمه وشیخة، ومنها ما یتعلق بآدابه مع أقرانه فی الدرس، ومنها ما یتعلق بآدابه مع کتابه، وقد حرص علماء السلف رحمهم الله على إیضاح تلک الآداب وتفاصیلها ،وصنفوا فی ذلک ‏المصنفات ومن تلک المصنفات ما کتبه أبو البرکات بدر الدین محمد بن محمد الغزی المتوفى سنة( 984هـ ) فی مصنفه الدر النضید فی أدب المفید والمستفید الذی تطرق فیه إلى  غالبیة تلک الآداب، کآداب الطالب مع شیخه ،وآدابه مع أقرانه ،وآدابه فی نفسه ،وآدابه فی محل الدرس والطلب ،وآداب طالب العلم مع کتابه والذی سیکون محور حدیثنا فی هذا البحث وسنذکر فیه تفاصیل تلک الآداب، من حیث آداب طالب العلم  فی اقتناء الکتب ،وآدابه فی إعارة الکتب ،وآداب طالب العلم فی قراءتها وترتیبها‏، و‏آدابه فی تألیف وطباعتها‏، وآداب طالب العلم فی تحقیق الکتب ودراستها، وهی آداب لا تقل أهمیتها عن بقیة الآداب الأخرى .

‏مشکلة البحث

‏اهتم علماء السلف الصالح رحمهم الله بالتدوین فی آداب العلم والتعلم وتناول الباحثون تلک الکتب والمصنفات بالدراسة والتحلیل والاستنباط إلى أنّ أغلب تلک الدراسات رکزت على آداب ‏طالب العلم فی نفسه ومع شیخه، أو فی درسه، وکذلک على آداب المعلم ‏مع طلابه فی محل الدراسة إلى أنّ القلیل منها حسب علم الباحث انفرد بتناول آداب ‏طالب العلم مع کتابه والذی هو آلة العلم وحاویته، کما انها تأتی استجابة للدراسات التی أوصت بضرورة الرجوع للتراث التربوی الإسلامی واستخراج ما تحتویه من الموضوعات التربویة کدراسة الدویش (2013)،و دراسة مکی (2004)،ومن هنا رأى الباحث أهمیة إبراز هذا الجانب فی بحث مستقل یظهر ما فیه من آداب یحسن بطلاب العلم معرفتها، والأخذ بها.

أهمیة البحث:

‏تبرز أهمیة البحث من خلال الآتی 

1-أهمیة التزام طالب العلم فی الآداب التربویة أثناء طلبه للعلم.

2-‏إن الموضوع یهتم بأحد أرکان العملیة التعلیمیة وأدب التعامل معه وهو الکتاب.

3-‏‏یسهم هذا البحث فی تأصیل العلوم التربویة وذلک بدراسة ‏تلک الآداب ‏من خلال کتاب الدر النضید فی أدب المفید والمستفید لأبی البرکات الغزی رحمه الله تعالى.

4-‏أنه ‏‏لم تسبق دراسة هذا الموضوع ‏من خلال ما کتبه أبو البرکات الغزی رحمه الله بحسب علم الباحث.

‏أسئلة البحث

‏السؤال الرئیسی: ما الآداب التربویة لطالب العلم مع کتابه من ‏خلال کتاب (الدر النضید فی أدب المفید والمستفید) لأبی البرکات بدر الدین محمد بن محمد الغزی رحمه الله ؟ وتفرع منه:

-ما آداب طالب العلم فی تحصیل الکتاب؟ 

-‏ما آداب طالب العلم فی إعارة الکتاب؟

-ما ‏آداب طالب العلم فی مطالعة الکتب وترتیبها؟

-ما آدب طالب العلم فی تحقیق الکتاب وضبطه؟

-‏ما ‏آداب طالب العلم فی تألیف الکتاب وطباعته؟

‏‫‏ أهداف البحث

‏هدف البحث إلى التعرف على الآداب التربویة لطالب العلم مع کتابه من ‏خلال کتاب الدر النضید فی أدب المفید والمستفید لأبی البرکات بدر الدین محمد بن محمد الغزی رحمه الله  وتفرع منه الأهداف التالیة:

-‏التعرف على آداب طالب العلم فی تحصیل الکتاب.

-التعرف على آداب طالب العلم فی إعارة الکتاب.

-التعرف على آداب طالب العلم فی مطالعة الکتب وترتیبها.

-التعرف على آدب طالب العلم فی تحقیق الکتاب وضبطه.

-التعرف ‏ على ‏آداب طالب العلم فی تألیف الکتاب وطباعته.

منهج البحث:

استخدم الباحث المنهج الاستنباطی وعرف بأنه"‏ وهو بذل أقصى جهد عقلی ونفسی عند دراسة النصوص بهدف استخراج مبادئ تربویة مدعمة بالأدلة الواضحة"(عبد الله ،وفودة ،1408ه،43)

‏حدود الموضوع

‏یقتصر البحث فی هذا الموضوع على دراسة الآداب العامة لطالب العلم مع کتبه عند أبی البرکات الغزی رحمه الله من خلال کتابه (الدر النضید فی أدب المفید والمستفید) تحقیق نشأت المصری (1430)، دون غیرها من الآداب الأخرى والوارد ذکرها فی الکتاب.

مصطلحات البحث:

الآداب: ویقصد بها فی هذا البحث الشروط والقواعد والأصول المعتمدة فی تعامل طالب العلم مع کتابه.

‏الدراسات السابقة

‏أطلع الباحث على عدد من الدراسات السابقة ذات الصلة بموضوع البحث وهی کالتالی:

-‏دراسة الدویش (2013)  وقد هدفت الدراسة إلى التعرف على آداب المتعلم عند الخطیب البغدادی من خلال کتابه الجامع لأخلاق الراوی وآداب السامع وتطبیقاتها التربویة فی المدرسة، وقد استخدم الباحث المنهج  الاستنباطی ،‏وتوصل إلى نتائج کان من أبرزها: أهمیة التزام طالب العلم بالآداب الواردة فی هذا المصنف أثناء طلبه للعلم ،ومن النتائج التی توصل إلیها أیضا أن علماء السلف قد أولوا عنایة فائقة بالمتعلمین والتزامهم بآداب التعلم ،‏وأنّ تلک الآداب تنوعت بین الآداب فی الجانب الدینی ،والآداب المتعلقة بالجانب العلمی ،والآداب المتعلقة بالجانب الأخلاقی والاجتماعی ،کما أوصى الباحث بزیادة الدراسات التربویة للتراث الإسلامی واستخراج ما تحتویه من الموضوعات التربویة.

-‏دراسة ‏النماصی( 2013) ‏،وقد هدفت الدراسة إلى التعرف على آداب المعلمین و المتعلمین عند ابن مفلح الحنبلی من خلال کتابه الآداب الشرعیة والمنح ‏المرعیة وتطبیقاتها التربویة ،‏وقد استخدم الباحث المنهج الاستنباطی وتوصل إلى نتائج منها:‏ أهمیة الالتزام بالآداب التربویة من قبل المعلم والمتعلم لإنجاح العملیة التعلیمیة، وأنّ الآداب الواردة عند ابن مفلح تصلح لأن تکون قواعد لمهنة التربیة والتعلیم فی هذا العصر، کما یمکن الاستفادة منها فی برامج إعداد المعلم ومهنة التعلیم، ‏کما ظهر حرص ابن مفلح واهتمامه بالتعلیم من خلال حرصه واهتمامه بالمتعلمین وإحسان التعامل معهم، وقد أوصى الباحث بالاستفادة من تلک الآداب وتضمینها البرامج المهنیة للمعلم، کما أوصى بضرورة استکمال بقیة الجوانب      التی ذکرها ابن مفلح فی کتابه ولم یشملها هذا البحث.

- دراسة حجازی  ( 2009 ) ،وقد هدفت إلى التعرف على آداب العالم والمتعلم عند برهان الدین الزرنوجی من خلال کتابه تعلیم المتعلم طریق التعلم ،وقد استخدمت الباحثة المنهج الاستنباطی ‏وتوصلت إلى نتائج منها: اهتمام الزرنوجی بجمیع نواحی المتعلم الاجتماعیة وغیرها،‏کما أنه اعتمد فی فکره التربوی على مبادئ الدین والاستشهاد بالقرآن والحدیث الشریف والحکم والآثار التربویة، ‏وأنه یدعو إلى إعطاء المتعلمین الحریة فی اختیار العلم ‏والأستاذ والشریک،‏ کما أکد على مبدأ استمراریة التعلم وعدم توقفه، ‏وقد رکز رحمه الله  على أهمیة التدرج فی طلب العلم حسب مراحل النمو والفهم  عند المتعلم، ‏إن کثیرا من الآراء التی تنادی بها التربیة الحدیثة تتفق مع الآراء التی نادى بها الزرنوجی.

-دراسة مکی (2004)،وقد هدفت الدراسة إلى تعرف آداب المعلم والمتعلم عند الأئمة الأربعة، والتعرف على التطبیقات التربویة لآداب المعلم والمتعلم عند الأئمة الأربعة ،واستخدمت الباحثة المنهج الاستنباطی ،وتوصلت إلى نتائج من أبرزها :أنّ علماء عصر الأئمة الأربعة أخذوا علمهم من المنبع الأصلی وهو القرآن والسنة، وأنّ عبادة الله وتوحیده هما الأصل الأساسی لمنهج التربیة عند الأئمة الأربعة، وأنّ آداب المعلم والمتعلم عند الأئمة الأربعة هی  أساس الکثیر من آداب المعلم والمتعلم التی ینادی بها التربویون فی العصر الحاضر، وأوصت الباحثة بضرورة العودة إلى التراث الفکری الإسلامی والبحث فیه ،مع الترکیز على التطبیقات العملیة فی المجال التربوی .

-       دراسة النفیعی (1995)  وقد هدفت الدراسة إلى التعرف على آداب المعلم والمتعلم عند بعض المفکرین المسلمین، والخروج بدستور أخلاقی لمهنة التعلیم بحیث یمثل هذا الدستور الروح الأخلاقیة التی سادت فی تعلیمنا عبر العصور، وقد توصل الباحث إلى نتائج کان من أبرزها :أثر الفکر الإسلامی فی شخصیة المتعلم وإرشاده إلى التخلق بخلق الإسلام، کما تبین أهمیة العلاقة بین المعلم والمتعلم وأنها علاقة أبویة توجب العطف والشفقة ،کما أبرزت هذه الدراسة أهمیة التعاون بین المعلم وزملائه المعلمین وأن ذلک یسهم فی نجاح المؤسسة التعلیمیة ، کما أشارت  الدراسة إلى أهمیة استغلال المتعلم لوقته، والتزود من العلم واستمراریة التعلم، وأوصى الباحث بأهمیة تکوین اتجاه إیجابی نحو مهنة التدریس لدى المعلمین أثناء تدریبهم فی کلیات المعلمین ،کما أوصى بتضمین المناهج الدراسیة توجیهات تربویة تغرس حب طلب العلم فی المتعلم ،والعمل على تعزیز المکانة الاجتماعیة للمتعلم .

-‏دراسة العصیمی ( 1410) ،وقد هدفت الدراسة إلى التعرف على آداب المعلمین و المتعلمین عند الإمام العلموی من خلال کتابه المعید‏ فی أدب المفید والمستفید، ‏وقد استخدم الطالب المنهج الاستنباطی ،وتوصل إلى نتائج ‏من أبرزها: أن التزام المعلم والمتعلم بالأهداف التربویة لطالب العلم یسهم فی إنجاح العملیة التعلیمیة ،و إن ما ذکر من معاییر مهنیة ‏للتعلم فی هذا العصر تتفق مع ما ذکره العلموی ‏وغیره من علماء المسلمین، کما أن ما ورد فی هذا المصنف من آداب یمکن اتخاذها قواعد لمهنة التعلیم فی العصر الحاضر، ‏وأوصى الباحث باتخاذ الآداب الواردة فی هذا المصنف قواعد  لمهنة التعلیم ،کما أوصى الجهات المسؤولة عن إعداد المعلم باتخاذ تلک الأهداف الواردة معاییر لتقییم المعلم.

-‏دراسة عبد الرحمن( 1408) ، وقد هدفت الدراسة إلى التعرف على أخلاق المعلم والمتعلم عند أبی بکر الآجری ‏،وقد استخدم الباحث المنهج الاستنباطی ، ‏وتوصل إلى نتائج من أبرزها: أن العملیة التعلیمیة یجب أن لا ترکز على الجانب المعرفی فقط بل لابد أن تشمل الجانب الأخلاقی والسلوک، کما أنّ تنمیة القدرات الأخلاقیة تحتاج إلى إعداد خاص للمعلمین وحسن اختیارهم، وأنا نجاح العملیة التعلیمیة یتأثر بالبیئة العامة التی یعیش فیها المتعلم وطبیعة العلاقات الاجتماعیة ‏التی تسود هذه البیئة، کما أن الأسالیب وطرق التدریس المستخدمة فی التدریس یجب أن تکون مستوحاة من الواقع الثقافی والاجتماعی للمتعلم حتى تکون أکثر ملائمة ونجاح.

 - دراسة غفوری (1407) وقد هدفت الدراسة إلى تعرف على المبادئ التی ترتکز علیها العلاقة بین المعلم والمتعلم من خلال الأحادیث النبویة الشریفة ،وذلک فی الجانبین الاجتماعی والمهنی، مع قیاس مدى استفادة الطالبة والمعلمة من تلک الآداب فی حیاتهما العلمیة ،واستخدمت الباحثة أسلوب تحلیل المحتوى والمنهج الاستقرائی والاستدلالی للتوصل إلى تلک الآداب ، وکان من أبرز النتائج التی توصلت إلیها الباحثة :- أنّ العلاقة بین الرسول صلى الله علیه وسلم وصحابته تقوم على أسس ومبادئ راسخة منها العدل، والصبر والصدق ،والتواضع ،والمساواة.

      کما أنّ العلاقة بین الرسول صلى الله علیه وسلم والصحابة کانت علاقة تفاعلیة ،ولم تکن من طرف واحد ،وأنّ تلک العلاقة کانت فی ظل مبادئ خلقیة تحلى بها الصحابة رضی الله عنهم فی تعاملهم مع الرسول صلى الله علیه وسلم .

‏التعلیق على الدراسات السابقة-

‏-تتفق هذه الدراسة مع الدراسات السابقة فی التعرف على آداب طالب العلم من خلال کتب التراث التربوی الإسلامی للسلف الصالح رحمهم الله، کما أنها اتفقت مع تلک الدراسات فی استخدم المنهج الاستنباطی لتحقیق أهدافها.

-‏وتختلف هذه الدراسة عن تلک الدراسات من حیث المصنف المستهدف فی الدراسة، کما أنها تختلف عن تلک الدراسات أنها جمیعها تناولت آداب المعلم والمتعلم مع شیخه ،أ وفی درسه أو مع أقرانه، أما هذه الدراسة فقد اقتصرت على آداب المتعلم ، وکذلک انفردت عن الدراسات الأخرى بأنها تناولت آداب المتعلم مع کتابه.

- ‏استفادة هذه الدراسة من تلک الدراسات فی اختیار منهج البحث، وتقسیم الآداب المتعلقة بطالب العلم الواردة فی المصنف محل الدراسة.

‏آداب طالب العلم مع کتابه 

التمهید: ترجمة موجزة للمؤلف

اسمه ونسبه وکنیته: أبو البرکات محمد بن محمد بن عبد الله بن بدر بن عثمان بن جابر  الغزی العامری الدمشقی

‏مولده ووفاته: ولد فی دمشق سنة 904هـ، وتوفی بها سنة 984 ه. (العکری1414، 10/ 36، 593).

نشأته

‏نشأ فی دمشق وجمع بین العلم والعمل والسیادة والرئاسة، حسن السمت والخلق والسخاء، والحیاء عاش 80 سنة ما شاهده له فیها صبوة، ولا حفظت علیه کبوة

‏درس على عدد من مشایخها، ورحل مع والده إلى القاهرة، وأخذ عن مشایخها،          ومنهم القاضی زکریا، والقسطلانی، وغیرهم، وبقی بها خمس سنین ثم رجع إلى دمشق       سنة 921ه، وتصدر للتدریس فی دمشق وهو ابن سبعة عشر سنة ‏وأحسن إلى طلابه. (کحالة،د.ت،11/270)، (العکری1414، 10/ 36، 593).

علمه :

قرأ على عدد من المشایخ منهم محمد البغدادی، ومحمد السبکی، ومحمد الیمانی، أبو شمس الدین الدهشوری، وغیرهم من العلماء والأئمة. ( الزرکلی ، د.ت، 7 / 59)

صنف الکثیر من المصنفات، بلغت مائة وبضعة عشر‏، من أشهرها التفاسیر الثلاثة المنثورة، والمنظمات، وفتح المغلق، والتنقیب على ابن النقیب، وشرح خاتمة البهجة، وأسباب النجاح فی آداب النکاح، وکتابنا محل الدراسة الدر النضید فی أدب المفید والمستفید ‏‏.

وکان تقی الدین بن قاضی عجلون وهو شیخه یلقبه شیخ الإسلام لما رأى من       نجابته وفهمه.

‏انتفع الناس به طبقة بعد طبقة، ورحلوا إلیه من الآفاق، وکان لا یأتی قاضیا، ولا حاکماً، ولا کبیرا بل هم من یقصدون منزله للعلم. (الغزی 1418، 3/ 65، 87).

‏مناصبه

‏تولى الوظائف الدینیة کمشیخة القراء فی الجامع الأموی، وأمامه المقصورة،                  کما درس بالمدرسة العادلیة، والمدرسة الفارسیة، والشامیة ثم المقدمیة‏، ثم التقویة،                (کحالة 1376، 11 / 270)

 اسم الکتاب وقیمته العلمیة:

اختار أبو البرکات الغزی رحمه الله لهذا الکتاب أنْ یسمیه (الدر النضید فی أدب المفید والمستفید) یقول عنه محقق الکتاب فی مقدمة التحقیق "إنّ الناظر فی کتب أهل العلم یجد فی کل واحد منها ما لیس عند الآخر فلو اجتمع الزائد عند کل واحد منها فی مصنف لکان أهنأ، وأروح، وأقرب، وأسهل للطالب ،وهو ما فعله بدر الدین الغزی رحمه الله فصار تصنیفه بهذه الطریقة الحسنة مغنیاً لطالب العلم عن الکتب السابقة ،فإنه تضمن ما فیها وزاد علیها زیادات حسنة بدیعة من کلامه وکلام والده وغیره من أهل العلم " (ص18)

ویقول أیضا عن هذا الکتاب "إنه من الکتب التربویة التی لا یستغنی عنها طالب علم أراد بعلمه الله عز وجل والدار الآخرة "(ص14). وهذه إشارات واضحة لما یحتویه هذا المصنف من آداب تربویة یحسن الوقوف علیها وإظهارها لطلاب العلم .

آداب طالب العلم مع کتابه

ذکر أبو البرکات الغزی رحمه الله فی مصنفه، الدر النضید مجموعة من الآداب المتعلقة بطالب العلم، وتنوعت تلک الآداب بین آداب طالب العلم مع شیخه، وآدابه مع أقرانه، ومن الآداب التی أوردها،‏ آداب الطالب مع کتابه وهی ما سیتم تناوله فی هذا البحث.

‏المبحث الأول: آداب طالب العلم فی تحصیل الکتاب.

‏یعد الکتاب () أحد أرکان العملیة التعلیمیة الأساسیة ومما یعتنی طلاب العلم بتحصیله  "وینبغی لطالب العلم أن یحرص على جمع الکتب ولکن یبدأ بالأهم  فالأهم ،فإذا کان الإنسان قلیل ذات الید فلیس من الخیر، ولیس من الحکمة أن یشتری کتباً ‏کثیرة، یلزم  نفسه بغرامة  قیمتها" (العثیمین،د.ت،68)

‏کما أنه مرحلة التعلق الشدید بتحصیل الکتب من المراحل التی یمر بها طالب العلم، وعادة ما تکون فی بدایته للطلب، ‏إلا أنه یجب على طالب العلم فی هذه المرحلة "‏اختیار المحتوى العلمی الذی یتصل بحیاته ویسد حاجته وینمی فیه الوازع الدینی ویربی فیه حسن الخلق "(‏الحازمی1421، 349)  ‏

وهی علامة على اشتداد همته فی الطلب، ولکنه فی هذه المرحلة یحتاج إلى بعض التوجیه ‏،‏وهو مانبه إلیه أبو البرکات الغزی رحمه الله  فی إشارة إلى أمور یحسن بطالب العلم الانتباه لها فیقول" ‏ینبغی لطالب العلم أن یعتنی بتحصیل الکتب المحتاج إلیها فی العلوم النافعة ما أمکنه شراءً" (ص421) وقد نبه طالب العلم أن لا یحصل من الکتب إلا ما هو نافع ومفید .

‏کما قسم أهل العلم الکتب إلى ثلاثة أقسام کتب خیر، وکتب شر، وکتب لا خیر ولا شر (ابن عثیمین، د.ت، ص69)

‏وقد ‏تدفع همة بعض طلاب العلم أصحابها إلى جمع مالا یحتاج من الکتب أو التباهی  بکثرتها ‏وهو بخلاف ما ینصح به  أهل العلم ،إذ ینصحون بأن لا یدخل ‏طالب العلم کتابا إلى مکتبته إلا بعد تصفح وقراءة  " فإذا حصلت کتابا فلا تدخله فی مکتبتک إلا بعد أن تمر علیه جرداً ،أو قراءة فی مقدمته وفهرسه ومواضع منه، أما أن جعلته مع فنه فی المکتبة فربما مر الزمان وفات العمر دون النظر فیه وهذا مجرب " (أبو زید، د.ت، ص77) .،ولهذا أشار أبو البرکات الغزی رحمه الله بقوله "ولا یجعله تحصیلها وجمعها وکثرتها حظه من العلم ونصیبه من الفهم" (  ص421)

‏ومن الأخطاء التی یقع فیه بعض طلاب العلم لاسیما فی المرحلة الجامعیة الاعتماد على المصورات من کتب العلم، سواءً کانت کاملة أو جزء منها مع توفر تلک الکتب وقد یکون ذلک فی الدروس والمقررات أو فی إجراء البحوث التخصصیة وقد نبه أبو البرکات الغزی رحمه الله إلى ذلک فقال "ولا یشتغل بنسخها إن أمکن تحصیلها بشراءٍ إلا أن یتعذر الشراء لعدم الثمن، أو عزة الکتاب، مع‏ نفاسته فیستنسخه،"ص421

‏ولم یعذر بنسخها إلا بشروط ثلاثة:

 1 -تعذر الشراء لعدم توفر الثمن.

2- صعوبة الحصول على الکتاب لندرته أو لأی سبب آخر.

3- أن یکون الکتاب ذا قیمة علمیة تستحق نسخة.

‏المبحث الثانی: آداب طالب العلم فی إعارة الکتاب‏.

تعد إعارة الکتب أحد أسالیب نشر العلم الذی حث ‏الدین الإسلامی علیه ورغب            فیه ورتب علیه الأجر العظیم، کما أنها من أفضل وجوه الإحسان التی أمر الله بها           قال تعالى(وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُحْسِنِین) ‏البقرة( 195) أمر بالإحسان عموماً وهذا            یشمل جمیع أنواع الإحسان، لأنه لم یقید بشیء دون شیء، فیدخل فیه تعلیم العلم            النافع. (السعدی ، 1422،ص30)، وقال صلى الله علیه وسلم " کل معروف صدقة"            (البخاری ، حدیث 6021 ) ، والناس فی هذا الباب على ضروب، فمنهم من تجود نفسه بالکتب ‏ویعیرها لمن یطلبها دیانة وحب لنشر العلم، ومنهم من یمنعها لتعلقه الشدید بها، أو لخوفه من عدم ردها أو لأی سبب من الأسباب الأخرى، واختلف الفقهاء فی حکم الإعارة إلا أنّ ‏ابا البرکات الغزی رحمه الله إشار إلى ذلک بإیجاز، ورجح استحبابها بشرطین :الأول ألا ضرر على المستعیر، والثانی ألا ضرر منه على المعار فیقول "یستحب إعارة الکتابة لمن لا ضرر علیه منها، وممن لا ضرر منه بها ‏وکره إعارتها  قوم، والأول هو الأصح المختار لما فیه من الإعانة على العلم، مع ما فی مطلق العاریة من الفضل والأجر "(الغزی،1430،ص 422).

کما أورد جملة من أقوال السلف رحمهم الله وأخبارهم فی الترغیب بالإعارة والحث علیها ومنها قول وکیع رحمه الله "وأول برکة الحدیث إعارة الکتب " "(الغزی،1430، ص 422)

- ومن آداب طالب العلم فی الاستعارة أن یشکر من إعارة یقول أبو البرکات الغزی رحمه الله "وینبغی للمستعیر أن یشکر للمعیر ذلک لإحسانه ویجزیه خیرا " (ص 423) وهذا هو خلق المسلم، کما أن ‏فیه ترغیب لصاحب الکتاب على تکرار إعارته.

-‏وعلى طالب العلم إذا استعار کتابا ألا یتأخر فی رده إلى صاحبه وذلک لأسباب ومبررات ذکرها أبو البرکات الغزی رحمه الله فقال" إذا استعار کتابا فلا یبطئ به ولا یطیل مقامه عنده من غیر حاجة بل یرده إذا قضى حاجته، ولا یحبسه إذا استغنى عنه، لئلا یفوت الانتفاع به على صاحبه ولئلا یکسل عن تحصیل الفائدة منه، ولئلا یمتنع صاحبه من إعارته غیره"(ص‏423)

وقد یبلغ الأمر ببعض من یستعیر الکتاب إلى أن یطالبه صاحب الکتاب برده ویلح علیه فی الطلب وهو أمر مذموم ینبغی لطالب العلم أن یجتنبه بل ویحرم علیه الإصرار على حبسه یقول أبو البرکات الغزی رحمه الله " وأما إذا طلبه المالک، فإنه یحرم علیه حبسه ویصیر غاصباً له " (ص‏423)‏ وقد سمى  السلف رحمهم الله تعالى الامتناع عن ارجاع الکتب لأصحابها أو حبسها مدة (غلول)‏ وساق فی ذلک قول الزهری رحمه الله "‏إیاک وغلول الکتب، وهو حبسها عن أصحابها" (ص‏423)، و‏من الأفعال السیئة المترتبة على تأخیر رد الکتب المستعارة امتناع أصحابها عن إعارتها ونقل رحمه الله عن الخطیب البغدادی قوله "ولأجل حبس الکتب امتنع غیر واحد من إعارتها"(ص‏424)

‏- ومن الآداب التی ینبغی لطالب العلم الاخذ بها الا یمتنع عن اعارة کتاب لمن ینتفع به ما لم یکن سببا یمنعه من ذلک ،وقد وصف بعض أهل العلم من یحبس عاریة الکتب بعدم الورع وأنه لیس من فعل الحکماء ونقل رحمه الله عن الفضیل بن عیاض قوله " لیس من أفعال أهل الورع ولا من أفعال الحکماء أن تأخذ سماع رجل وکتابه فتحبسه عنه ومن فعل ذلک فقد ظلم نفسه"(ص 424)

-‏ومن آداب الاستعارة التی یجب على طالب العلم أن یتبعها ألا یُحدث فی الکتاب المعار شیئا من حیث التعلیق أو التعدیل أو حتى إصلاح ما هو تالف منه قبل استعارته یقول أبو البرکات الغزی رحمه الله  "ولا یجوز أن یصلح کتاب غیره المستعار، أو المستأجر بغیر إذن صاحبه ‏ولا یحشیه، ولا یکتب شیئا فی بیاض فواتحه أو خواتمه، إلا إذا علم رضا صاحبه"(ص424)

واستثنى رحمه الله من ذلک أن یکون الکتاب وقفاً فیقول "فإن کان الکتاب وقفاً على من ینتفع به غیر معین فلا بأس بالنسخ منه مع الاحتیاط، ولا بإصلاحه ممن هو أهل لذلک"(ص425).

‏وذلک کما فی بعض المکتبات العامة فی الجامعات أو المؤسسات الثقافیة، وحتى الخاصة التی أوقفها أصحابها لطلاب العلم.

-‏وقد یغفل بعض طلاب العلم عن أدب المحافظة على الکتاب المستعار حتى بعد الإذن من قبل صاحبه بالنسخ منه أو الاستفادة فتجد بعضا منهم یلحق شیئا من الضرر بالکتاب من حیث الإشارة على أجزاء منه بالقلم أو تلوین بعض أجزائه، وتعلیمها مما یصعب إزالتها مستقبلاً ،وقد ذکر أهل العلم شیئا مما حکی فی إساءة بعض طلاب العلم للکتب عند استعارتها ومن ذلک أن رجلا استعار من بعض أهل العلم کتابا ثم رده إلیه بعد الحین منکسراً متغیرا علیه أثار البزور، وغیرها، فسأله أن یعیره غیره، فقال له: ما أحسنت ضیافة الأول ‏حتى نضیفک الثانی (الخطیب، 1394، ص147.)

لأن أی من تلک الأفعال لا یرضاه صاحب الکتاب من نفسه على کتابة فکیف من غیره وأورد أبو البرکات الغزی رحمه الله فی ذلک أنشاد بعضهم 

            أیها المستعر منی کتابا           ارض لی منه ما لنفسک ترضى

وإلى ذلک یشیر أبو البرکات الغزی رحمه الله "وإذا نسخ منه بإذن صاحبه أو ناظره ‏فلا یکتب منه والقرطاس فی بطنه أو على کتابته، ولا یضع المحبرة علیه ولا یمر القلم الممدود فوق کتابته"(ص425)‏

‏- ومن الآداب ان یعیر طالب العلم من عرف عنه حرصه وجده فی طلب العلم اذ اتضح له ذلک، وکان بعض السلف إذا سأله إنسان أن یعیره کتابه قال أرنی کتبک فإن وجدها مصونة مکنونة أعاره وإن رآها مغبرة منعه. (ص 425)

وقد ذکر عن بعض أهل العلم أنه إذا أتاه رجل یستفید منه علماً أو یرید استعارة کتاب امتحنه، فإن وجده أهلا له أعاره وإلا منعه (الخطیب 1394 ،148) ،وهنا إشارة لطیفة بأن صاحب الکتاب لا یعامل کل من یطلب الإعارة معاملة واحدة، فلکل شخص سماته وطبائعه وکلاً یعامل بما یلیق به من معاملة، وحتى لا یحرم الناس نفع بعضهم بعضا بسبب ثلة یمکن معرفتهم والحذر فی التعامل معهم.

-‏ومن الأمور التی یجب على طالب العلم التنبه لها والتأدب بها عند إعارة الکتب أو استعارتها، أو شراءها التأکد من حالتها من حیث سلامتها یقول أبو البرکات الغزی رحمه الله   " إذا استعار کتاباً فینبغی له أن یتفقده عند إرادة أخذه ورده، وإذا اشترى کتابا تعهد أوله وآخره ووسطه، وترتیب أبوابه وکراریسه وتصفح أوراقه...ومما یغلب على الظن صحته إذا ضاق الزمان وعند تفتیشه "(ص427)

‏وإن کانت فی هذا الزمان قد ضاقت دائرة الإعارة والاستعارة نظرا لتوفر الکتب وسهولة طباعتها إلا أنها مازالت قائمة على اختلافٍ فی درجة حاجة الناس إلیها، ولذا وجب على طالب العلم التنبه إلى هذه الآداب والأخذ بها دیانة وأدباً واحتراماً للعلم وأهله.

‏ المبحث الثالث: آداب طالب العلم فی مطالعة الکتب وترتیبها:

ومن الدقة فی تفصیل أبی البرکات الغزی رحمه الله لآداب طالب العلم فی التعامل مع الکتاب أن ذکر آداب طالب العلم فی التعامل المباشر مع الکتاب أثناء قراءتها، أو التعلیق علیها، أو ترتیبها فی أرفف المکتبة الخاصة به.

- فمن آداب طالب العلم أن لایضع الکتاب على الأرض بل لابد أن یکون فی مکان ‏یضمن المحافظة علیه، واحترامه یقول أبو البرکات الغزی رحمه الله "إذا نسخ من الکتاب أو طالعة فلا یضعه على الأرض مفروشاً منشوراً، بل یجعله بین کتابین مثلا، أو کرسی الکتب المعروف کی لا یسرع تقطیع حبکه"(ص‏425)

‏-ومن الآداب العنایة بحسن تنظیمها وترتیبها فی المکتبة، بما یضمن صیانتها وحفظها من الضرر، وقد یفوّت بعض طلبة العلم مصلحة من الکتب من غیر قصد وذلک من خلال عدم عنایته بتنظیمها وترتیبها، وحفظها من التلف، والحرص على تعهدها بالرعایة والعنایة یقول أبو البرکات الغزی رحمه الله "وإذا وضع الکتب مصفوفة فلتکن على کرسی، أو تحت ‏خشب أو رف، ونحو ذلک، والأولى أن یکون بینها وبین الأرض خُلوّ ولا یضعها على الأرض کی لا تنتدی أو تبلى ، وإذا وضعها على خشب أو نحوها، جعل فوقها وتحتها ما یمنع تآکل جلودها، وکذلک یجعل بینها وبین ما یصادمها أو یسندها من حائط أو غیره"(ص‏425)

‏-ومن آداب طالب العلم مع کتبه أن یعتنی بها فی ترتیبها وتصنیفها وفقا علومها ودرجة أهمیتها ومحتواها لأن العلوم درجات ومراتب "وأن أشرف العلوم العلم بالله وملائکته وکتبه ورسله، والعلم بالطریق الموصل إلى هذه العلوم "(الغزالی ،د.ت، ص 59)، وذلک أنه یسهل الوصول إلیها وقد أشار إلى ذلک أبو البرکات الغزی رحمه الله وکأنه یحکی عن التصنیف الحدیث للمکتبات المعاصرة فیقول" ویراعی الأدب فی وضع الکتب باعتبار علومها، وشرفها، وشرف مُصَنِّفِها فیضع الأشرف على الکل ثم یراعی تدرجها، فإن کان  فیها المصحف الکریم جعله أعلى الکل، ثم کتب الدین، ثم أصول الدین، ثم أصول ‏‏الفقه، ثم الفقه، ثم النحو والصرف والتصریف، ثم أشعار العرب، ثم العروض، وما فی معناها ونحو ذلک"(ص 426 )

‏کما راعى أبو البرکات الغزی رحمه الله أدق التفاصیل فی تنظیم الکتب وترتیبها وذلک عندما تتساوی معاییر التصنیف ونبه طالب العلم إلى أهمیة مراعاتها عند الترتیب فیقول" فإذا استوى کتابان فی فن أعلى أکثرهما قران أو حدیث، فإن استویا أو لم یعلم أکثرهما، ففی جلالة الُمصنِّفِ فإن استویا فأقدمها کتابة أو تألیفا، أو أکثرهما وقوعا فی أیدی العلماء والصالحین‏، فإن استویا فأصحهما"(ص 426).

‏- ومن آداب الترتیب والتصنیف مراعاة حجم الکتاب فعلى طالب العلم أن یراعی حجم الکتاب " فلا یضع ذوات القطع الکبیر فوق ذوات الصغیر کی لا یسقط لتساقطها"(ص ‏426)

‏- ومن الآداب التی یجب على طالب العلم مراعاتها احترام الکتب وإجلالها وتقدیرها ،وعدم امتهانها ،وقد یتساهل بعض طلاب العلم فی إنزال الکتب منزلتها ویستخدمونها لغیر ما وجدت من أجلها وذلک من حیث تدوین ما لیس له علاقة بها من معلومات أو أرقام، أو استخدامها لأغراض لا تلیق بها ، أو وضعها فی أماکن غیر مناسبة ،وکان السلف الصالح رحمهم الله  یعدون امتهان الکتب وعدم احترامها علامة على جهل الرجل ونقصه ،وکانوا ینهون عن ذلک وقد أشار أبو البرکات الغزی رحمه الله  إلیه بقوله" ولا یجعل الکتاب خزانة للکراریس أو غیرها، ولا مخدة ولا مروحة ولا  مکبس  ولا مسند ولا متکأ، ولا مقتلة للبق وغیره"(ص 427)، ولیس ذلک إلا لتعظیم ما تحمله من العلوم النافعة وربما ما قد تحتویه من آیات وأحادیث نبویة یجب احترامها وتعظیمها.

المبحث الرابع: آداب طالب العلم فی تحقیق الکتاب وضبطه

‏یعد التألیف والتصنیف فی مختلف العلوم سمة من سمات طلاب العلم على مر العصور وکانوا یعدون ذلک علامة على التمهر فی العلوم واتقانها، کما یعدونه وسیلة من وسائل تخلید  الذکر  وکسب الأجر فقد قیل "ما یتمهر  بعلم الحدیث ویقف على غوامضه ویستثیر   الخفی من فوائده ، إلا من جمع متفرقة وألف متشتته وضم بعضه إلى بعض، واشتغل  بتصنیف أبوابه وترتیب أصنافه فإن ذلک الفعل مما یقوی النفس ویکسب أیضا جمیل الذکر وتخلیده الى آخر الدهر" (الخطیب،1417، 415)

ومع قلة وسائل الطباعة والنسخ والنشر المتوافرة فی ذلک العصر فقد کان لهم طرائق فی توثیق علومهم والتأکد من صحتها وضبطها کما کان لهم آداب یلتزمون بها ومن ذلک" ‏أنه تسری بین المؤلفین قواعد یلتزمون بها فی السماع والروایة والقراءة على الشیخ والإجازة  ...وکان هذا کله مقروناً  بالحرص على الضبط والتصحیح ‏". ( هارون،  1997،ص14)

‏ویحسن بطالب العلم فی هذا العصر الاستفادة منها والأخذ بما یناسبه عند التألیف أو التصنیف، وهی أقرب إلى ما یسلکه طالب العلم فی تحقیق المخطوطات فی العصر الحاضر، ‏- فمن الآداب أن یراعی طالب العلم عند تحقیق کتابه ما یضمن دقة المعلومة وسلامتها      ویذکر بعض المهتمین بمناهج البحث المعاصرة إن أول ما یعتمد علیه طالب العلم  فی          المقابلة وضبطها نسخة المؤلف التی کتبها بخط یده، ثم ما سمعه المؤلف وأجازه وهکذا.         ‏(عبد الله وفوده ‏1408،، ص 14)

 وقد أشار إلى ذلک أبو البرکات الغزی رحمه الله فقال: "إنّ على طالب العلم مقابلة الکتاب  بأصل صحیح موثوق به ‏، وأولاه ما کان مع مصنفه، ثم ما کان مع غیره من أصل بخط المصنف، ثم بأصل قوبل معه لاسیما إذا کان علیه خطه، ثم بما قوبل على نسخته مع غیره، ثم غیر ذلک مما هو صحیح"(ص‏438)

‏والهدف من ذلک تجوید العلم وتوثیقه ومطابقته ‏مع أصل المصنف یقول أبو البرکات الغزی رحمه الله" لأن الغرض المطلوب أن یکون کتابة مطابقة للأصل المصنف "(ص439)، ویحملهم على ذلک الرغبة فی الدخول بقوله صلى الله علیه وسلم "نضر الله امرأً سمع منا حدیثاً فبلغه کما سمعه فإنه رب مبلغ أوعى من سامع"‏ (مسند أحمد، 4157) لاسیما من اشتغل بعلوم الحدیث والتألیف فیها والتی أشار إلیها هذا النص النبوی.

‏ ‏ومن أدبهم وشدة حرصهم على ضبط العلوم أنهم کانوا یعرضون الکتاب ویقابلونه بعد کتابته  ‏یذکر أبو البرکات الغزی رحمه الله "إن أحد السلف سأل ابنه کتبت ؟ قال :نعم قال: عرضت کتابک ؟ قال :لا قال :لم تکتب "(ص 440)

-‏ومن الآداب التی یحسن الأخذ بها، وکان یراعیها العلماء عند تألیف الکتاب ،أنهم کانوا عند انتهائهم من تألیف الکتاب یراجعون ضبطه وتشکیل المشکل منها دون المبالغة فی ذلک یقول أبو البرکات الغزی رحمه الله " وینبغی له أن یُعْجِمَ  المعجَمَ، ویُشْکِل المُشْکِلَ، ویضبط الملتبس، ویتفقد مواضع التصحیف، أما ما یفهم بلا نقاط وشکل فلا ینبغی الاعتناء ‏بنقطه وشکله لأنه اشتغال بما غیره أولى منه وتعب بلا فائدة وربما یحصل للکتاب به إظلام ... وقیل ینبغی الإعجام والشکلُ للمکتوب کله‏ المشکل وغیره لأجل المبتدئ فی ذلک الفن"           (ص 442) ‏وسلوکه مسلک الوسط أمر مطلوب فی ذلک بأن یرعی الضبط على قدر الحاجة لاسیما فی هذا العصر الذی اتضحت فیه الکتابة وزالت أکثر أسباب الإشکال التی کانت واردت فی العصور السابقة.

ورأى البعض أن یقتصر الضبط على الملتبس من الأسماء قال أبو البرکات الغزی رحمه الله " فتأکد ضبط الملتبس من الأسماء، إذ لا یدخلها قیاس ولا قبلها ولا بعدها شیء یدل علیها"(ص444).

-‏ومن الآداب التی ینبغی على طالب العلم الالتزام بها الدقة والأمانة فیما یکتبه فقد کان العلماء المسلمون فی کل العلوم حریصین على الدقة والأمانة فیما یؤلفونه من علوم أو ینقلونه عن غیرهم من دون محاباة أو تردد "فلیس أحد من أهل العلم یحابی  فی الحدیث أباه، ولا أخاه، ولا ولده"‏ (الخطیب،(د.ت)‏،ص84) ، وقد سئل  علی بن المدینی رحمه الله عن أبیه فقال اسألوا غیری فقالوا سألناک، فاطرق ، ثم رفع رأسه وقال :هذا الدین‏، أبی ضعیف" (ابن حبان، 1420،ص41)

      وقد لفت أبو البرکات الغزی رحمه الله إلى هذا الأدب من خلال تذکیره طالب العلم بما یجب علیه بعد مقابلة کتابه وضبطه وأنه لا یخرج عن أربع حالات وهی:

     "‏أن یکتب على ما صححه وضبطه فی الکتاب وهو محل شک  عنده مطابقة أو تطرق احتمال (صح )صغیرة، ویکتب فوق ما وقع فی المصنف أو فی النسخ وهو خطأ (کذا )صغیرة، ویکتب فی الحاشیة (صوابه کذا) إن کان یتحققه، أو یکتب على ما أشکل علیه ولم یظهر له وجه ( ص) وهی صورة رأس صاد مهملة مختصرة من ‏(صح ) فإن تحقق هو أو غیره بعد ذلک وکان المنقول صوابا زاد تلک الصاد حاء  فتصیر ( صح)"(ص‏449)

‏-ومن الآداب التی یحسن بطالب العلم الأخذ بها أن یضع علامة دالة على وضع وقوفه فی المقابلة أو القراءة أو الضبط على الشیخ حتى لا یلتبس علیه الأمر ویضیع الجهد ،قال أبو البرکات الغزی رحمه الله "فإذا صحح الکتاب على الشیخ أو فی المقابلة علّمَ على موضوع وقوفه ب(بلغ) أو (بلغت) أو (بلغ العرض)...فإنه مفید جداً" (ص 450)

‏المبحث الخامس: آداب طالب العلم فی تألیف الکتاب وطباعته

‏    للتألیف ثلاث رکائز: الموضوع، والمنهج، والجانب الفنی وهو المتمثل فی التزام            الطرق التنظیمیة المحددة التی تواضع العرف العلمی العام على حذوها، ابتداءً بتنظیم المعلومات، وتدوین التعلیقات، وقائمة المصادر، والدقة فی استعمال العلامات الإملائیة         وغیر ذلک من المصطلحات والتنظیمات فی هذا المجال مما یجعل البحث مقبولاً            شکلاً (‏أبو سلیمان 1408، ص202)

     وقد أشار أبو البرکات الغزی رحمه الله إلى شیء من ذلک التنظیم والعنایة بالجانب الفنی ومن ذلک:

-- أن من أهم، وأول الآداب التی ینبغی على طالب العلم أن ینتبه لها أن یکون على طهارة عند نسخ الکتاب کما یحسن به أن یحرص على استقبال القبلة یقول أبو البرکات الغزی رحمه الله   "وإذا نسخ شیئا من کتب العلوم الشرعیة فینبغی أن یکون على طهارة ویستقبل القبلة، طاهر البدن والثیاب والحبر والورق "(ص 427).

--‏کما یحسن بطالب العلم أن یبدأ الکتاب ویفتتحه باسم الله کما یحسن به أن یختتمه بالحمد لله ولعل فی ذلک إشارة على طلب العون من الله فیما هو مقدم علیه من عمل ثم الحمد لله فی الختام على اتمامه یقول أبو البرکات الغزی رحمه الله   "ویبتدئ کل کتاب بکتابة بسم الله الرحمن الرحیم ... ‏ویختم الکتابة أو الجزء بالحمد له والصلاة والسلام ویکتب إذا اکمل الکتاب، تم الکتاب الفلانی أو الجزء الفلانی وبتمامه تم الکتاب" ص 427

-‏ومن الآداب أن یعظم اسم الله تعالى عند کتابته وکذا یصلی على رسوله صلى الله علیه وسلم کتابة ولفظا فی کل مرة یقول أبو البرکات الغزی رحمه الله   " ‏وکل ما کتبت اسم الله تعالى اتبعه بالتعظیم مثل (تعالى)أو (سبحانه)(عز وجل )(وتقدس وتبارک)، ونحو ذلک وهو تلفظ بذلک أیضا وکل ما کتب اسم النبی صلى الله علیه وسلم کتب بعده الصلاة علیه والسلام، ویصلی ویسلم علیه بلسانه أیضا" (ص ‏428.)

-‏ومن الآداب أثناء الکتابة أن ینزل طالب العلم الناس منازلهم من أهل السبق فی الدین کالصحابة والسلف الصالح رضی الله عنهم، وأهل العلم والفضل، وذلک أمر مطلوب ومندوب إلیه قال أبو البرکات الغزی رحمه الله   "وإذا مر بذکر أحد من أصحابه -لاسیما الأرکان منهم- کتب رضی الله عنه، أو رضی الله علیه، أو بذکر أحد السلف -‏ولاسیما الأئمة الأعلام-، وهداة الإسلام وکتب ذلک، أو (رحمه الله) أو (رحمة الله علیه)                و ( تغمده  الله برحمته)" (ص 428)

- ومن ذلک أیضا الأدب الذی ینبغی على طالب العلم الأخذ به عند وقوع الخطأ فی الکتاب، قال أبو البرکات الغزی رحمه الله " إذا وقع فی الکتاب زیادة أو کتب فیها شیئا على غیر وجهه تخیر فیه بین ثلاثة أمور الکشط، وهو سلخ الورق بالسکین ‏ونحوه، أو المحو وهو الإزالة بغیر سلخ إن أمکن، أو الضرب علیه وهو أجود من الکشط والمحو "(ص450)

ثم ذکر کیف یکون الضرب وأنه على خمسة أوجه وهی:

-‏أن یصل بالحروف المضروبة علیها ویخلط بها خطاً ممتدة وأجوده ما کان دقیقا ولا یسود الورق ولا یطمس الحروف ولا یمنع قرأتها تحته.

-‏أن یجعل الخط فوق الحروف منفصلاً عنها منعطفاً حرفاه على أول المبطل وآخرة.

-‏أن یکتب لفظ (لا) أو لفظ (من) فوق أوله، ولفض(إلى) فوق آخره، ومعناه من هنا لا یصح إلى هنا.

-‏أن یکتب ‫نصف دائرة فی أول الکلام المقطع وفی آخره ‫نصف  دائرة - بین قوسین-

‏-أن یکتب فی أول المقطع وفی آخره صفر وهی دائرة صغیرة -o-سمیة بذلک لخلو ما أشیر إلیه بینها من الصحة"(ص 451)

     ومع مرور الزمن وتقدم آلة الطباعة والنسخ والنشر فقد قلت الحاجة إلى بعض الجوانب ذات العلاقة بطباعة الکتب ومن ذلک ما یتعلق بکیفیة إزالة الخطأ عند وقوعها فی أثناء الکتابة إلا أنه قد یحتاج إلیها طالب العلم فی بعض المواقف فیحسن الأخذ بها ومراعاتها.

‏- ومن آداب طالب العلم أنه إذا أراد إضافة شیء من السقط فإنه یضیفه إما فی الحاشیة أو بین السطور ویشیر أبو البرکات الغزی رحمه الله إلى ذلک بقوله" إذا أراد تخریج شیء سقط فلیخرجه فی الحاشیة أو بین السطور ولکن الأول أولى لسلامته من تضیق السطور"           (ص 455).

‏-‏ومن المستحسن أن یرتب طالب العلم کتابه على أقسام وموضوعات ویفصل بینها فی علامة تدل على الانتهاء منها والابتداء بما یلیها حتى یفهم الکلام ویعرف مبتدآه ومنتهاه ،کما أن "تقسیم الأفکار فی الفصل الواحد أو الموضوع الواحد إلى وحدات مستقلة یساعد على وضوح الأفکار وتنظیمها، کما یریح القارئ ویساعده على المتابعة" (‏أبو سلیمان 1408، 210)، ویشیر أبو البرکات الغزی رحمه الله إلى ذلک فیقول "وینبغی أن یفصل بین کل کلامین أو حدیثین بدارة-دائرة- أو ترجمة أو قلم غلیظ ولا یوصل الکتابة کلها على طریقة واحدة لما فیه من عسر استخراج المقصد وتضییع الزمان فیه"459

-ومن الآداب لطالب العلم أنه عندما یرد بعض الأسماء والکلمات والمصطلحات أکثر من مرة فی البحث ویتکرر ذکرها فی أکثر من موضع، ویحتاج طالب العلم إلى وضع اختصار یغنی عن ذکرها فی کل مرة عند ورودها فإن علیه مراعاة ذلک وفق ما ذکر بعض المختصین من أنه یجب تخصیص صفحة ‏أو صفحات لتدوین المصطلحات والرموز مع بیان المقصود منها؟ وأن یکون من السهل إدراک وفهم مدلولها من القارئ، وأن یتم وضعها سابقة فی مقدمة البحث وقبل البدایة( ‏أبو سلیمان،1408،ص219)

     وقد أشار أبو البرکات الغزی رحمه الله إلى ذلک فقال" ومن فعل شیئا من ذلک-یقصد الاختصار- بیّن اصطلاحه فیه فی فاتحة الکتاب ونحوها لیفهم الخائض بها معانیه"(ص464)

‏- وعلى طالب العلم ألا یتحرّج من استعمال الاختصارات فی الکتابة، فهو لیس أمرا محدث بل هو موجود مع ظهور التدوین کما أنه عادة عند کبار العلماء وقد جرت عادة المحدثین باختصار ألفاظ فی کتبهم وذلک ینقسم إلى أقسام ذکرها أبو البرکات الغزی رحمه الله وهی:

-‏ما یختصر بعضه مع النطق به کامل مثل "حدثنا "اختصرها بعضهم" ثنا "بعضهم" نا" وبعضهم" دثنا" وما شابهها

-‏ما اختصروا جمیعه مع النطق به ومنه لفظ "یحدث" تکتب سمعت فلان عن فلان أی  یحدث عن فلان وغیرها

- ومنها ما یختصر بعضه وینطق بالبعض الباقی على صفاته المشهورة ومنه" حاء التحویل" عند الانتقال من سند لآخر فإننا نکتب "ح" ومثلها کثیر

 -ومنها ما یختصر بعضه ولا یتعین فیها قراءة ذلک البعض ولا أصله ‏وهو الرموز إلى إصلاح خاص بذلک الکتاب، کما یرسم(خ) للبخاری ، و(م)  لمسلم ، و(ی) للترمذی وهکذا(ص465)

‏-وإذا رغب طالب العلم فی إیضاح تلک الرموز والاختصارات وتمییزیها عن سائر النص فلا بأس قال أبو البرکات الغزی رحمه الله   "وکذلک لا بأس فی الحمرة فی الرموز وقد رمز بالأحمر جماعة من المحدثین والفقهاء والأصولیین وغیرهم بقصد الإیضاح مع الاختصار "(ص466).

-ویستثنى من تلک الاختصارات اختصار الصلاة على النبی صلى الله علیه وسلم، فمن آداب طالب العلم ألا یختصر الصلاة على النبی صلى الله علیه وسلم أثناء کتابته ولا یدفعه کثرة تکراره إلى التضجر من الصلاة والسلام علیه فی کل مرة، لأنه فی اختصاره حرمان من خیر کثیر یقول أبو البرکات الغزی رحمه الله   " ‏ولا یسأل من تکرارها، ولو وقعت فی الصدر مرارا، کما یفعل بعض المحرومین المتخلفین من کتابة ‏صلعم، صلع، صلم، أو صم وغیرها"(ص428)

‏- ومن آداب طالب العلم إذا أراد أن یستدرک بعض المسائل والأقوال والشروح على بعض کتبه رغبة فی حفظها والرجوع إلیها عند الحاجة أو لتوضیح خطأ وقع فی ذلک الکتاب أو لبیان إشکال وقع فیه أنه یجب علیه مراعاة إذن صاحب الکتاب إذا کان لیس ملکاً له            یقول أبو البرکات الغزی رحمه الله  " ولا بأس بکتابة الحواش والفوائد والتنبیهات على غلط  أو اختلاف روایة أو نسخه ونحو ذلک على حواشی کتاب یملکه أو لا یملکه الا بإذن"         ( ص466)، وعند حدوث ذلک وحاجة طالب العلم إلیه فلا یکثر إلا بقدر الحاجة وأن یکون ذا  فائدة وأن یکتفی بما یحقق الغرض  ولا ینبغی أن یکتب إلا الفوائد ‏المهمة المتعلقة بذلک الکتاب والمحل مثل التنبیه على إشکال واحتراز أو رمز أو خطأ ونحو ذلک ولا یسوده بنقل المسائل والفروع الغریبة ولا یکثر  الحواشی کثرة تظلم الکتاب أو تضیع مواضیعها على طالبها . (الغزالی، د.ت، 465)

-ومن آداب طالب العلم ‏عند الانتهاء من الکتابة أو التألیف أن یقسم ما یکتب إلى أبواب وفصول وعناوین فرعیة تسهل على القارئ مواضیع البدء والانتهاء من الموضوعات          ولا بد أن تکون کتابة العنوان واضحة بارزة بحیث ینتبه لها من أول وهلة ویدون           العنوان الرئیس وکذلک الباب أو الفصل فی صفحة جدیدة ‏لیبدو بارزاً ملفتاً لنظر القارئ         (‏ابو سلیمان،1408،209)

‏یقول أبو البرکات الغزی رحمه الله "لا بأس بکتابة الأبواب والتراجم والفصول ونحو ذلک بالحمرة فإنه أظهر فی البیان وفی فواصل الکلام، وله فی کتابة شرح ممزوج بالمثل أن یمزج المتن بکتابته بالحمرة أو یخط علیه خطا منفصلاً عنه ممتد علیه"(ص466)

‏- ومن آداب طالب العلم أن لا ینکر على غیره ما اختار من علامات التوضیح والبیان مادام فی حدود الأعراف والآداب العلمیة المعتبرة، والناس فی توضیح ذلک وإبرازها على ضروب، فمنهم من لا یرى الألوان فی الکتاب فله أن یکتب بخط عریض یبرزه کما هو معمول به فی أنظمة الطباعة المعاصرة یقول أبو البرکات الغزی رحمه الله  "فإن لم یکن ما ذکرناه من الأبواب والفصول والتراجم ونحوها بالحمرة أتى بما یمیزه عن غیره من تغلیظ القلم ونحو ذلک لیسهل الوقوف علیه عند قصده"(ص 466)

‏ومما یحسن التنبیه علیه هنا أن على طالب العلم ألا یکثر التفریعات والفصول" ویراعی فی تخطیطها التناسب وعدم الإکثار لغیر ضرورة فالعناوین الجانبیة الکثیرة لیست فقط           مما یؤثر على مظهر الکتاب بل أنها مدعاة أحیانا إلى تشتت فکری للقارئ واضطرابه                     "ابو سلیمان،1408، ص209).

-ومن آداب طالب العلم أن یحرص على حسن الخط ووضوحه، وذلک أن تحسین الخط         وتجویده أمر مطلوب عند الکتابة، وهو مدعاة لقراءة ‏الکتاب وقد قیل" من فضل حسن الخط            أنه یدعو الناظر إلیه إلى أن یقرأها وأن یستمع له حتى وإن اشتمل لفظا مرذولا                مجهولا" (الصولی، 1431، 42)، وروی عن ابن عباس رضی الله عنه فی قوله تعالى           (أَوْ أَثَٰرَةٍۢ مِّن عِلْمٍ) الأحقاف (الآیة 4). أنه الخط، (ابن کثیر، د.ت 7/ 275‏) وفی روایة عن ابن عباس "جودة الخط "(الخطیب ،1407، ص128)

إلا أن أبا البرکات الغزی رحمه الله نبه طالب العلم إلى أدب مهم فی ذلک وهو عدم المبالغة فیه وأن لایشغله عن العنایة بصحة ما یکتب، وأن الأمر فی ذلک وسط یقول " ولا یهتم ‏المشتغل بالمبالغة بحسن الخط، وإنما یهتم بصحته وتصحیحه، ویتجنب التَعْلیقَ جدا، وهو خلط الحروف التی ینبغی تفرقتها، والمَشْقُ وهو سرعة الکتابة مع بعثرت الحروف"ص431

-ومن آداب  طالب العلم فی الکتابة ، أن یجتنب الکتابة الدقیقة وذلک لأنه ربما شق على ضعیف البصر أو الکبیر الاستفادة منها وقد نبه أبو البرکات الغزی رحمه الله لذلک ونقل کراهیة هذا الأمر عن بعض السلف فقال "وینبغی أن یعتنی  بالکتابة الدقیقة ‏لأنه لا ینتفع به أو لا یکمل به ‏الانتفاع لمن ضعف بصره... وقال بعضهم اکتب ما ینفعک وقت حاجتک إلیه، ولا تکتب ما لا تنتفع به وقت الحاجة أی وقت الکبر وضعف البصر ،وصرح بعضهم بکراهیة ذلک " (ص 433)، ورخص فی ذلک لمن عجز عنه لضیق الورق أو عن ثمنه، أو من کان رحّالاً فی طلب العلم، ویرید حمل کتبه معه فتکون خفیفة المحمل

-‏ومن آداب طالب العلم التی ینبغی مراعاتها عند الکتابة أن یعطی کل حرف وکلمة حظها من الإشباع دون أن ینقصها أو یقصر عن إکمالها قال أبو البرکات الغزی رحمه الله   "ینبغی ألا یقرطم الحروف -أی یقطعها- ویأتی بها مشبهة لغیرها، بل یعطی کل حرف حقه، وکل کلمة حقها، ویراعی من الآداب الواردة فی ذلک"(ص435)  .

‏-‏ومن الدقة فی تنبیه ابی البرکات الغزی رحمه الله على آداب الکتابة ذکر کراهیة فصل مضاف اسم الله تعالى منه فقال" ‏وکرهوا فی الکتابة فصل مضاف اسم الله تعالى منه کعبد الله ،أو عبد الرحمن بن فلان، أو رسول الله صلى الله علیه وسلم، فلا تکتب عبد أو رسول فی آخر السطر، والله أو الرحمن، مع ما بعده فی أول سطر آخر، القبح الصورة ،وهذه الکراهیة للتنزیه" ( ص 437)

‏ومن خلال ما سبق طرحه من آداب طالب العلم مع کتابة من حیث اقتنائه و تحصیله، و من حیث ترتیبه والعنایة به، أو من حیث التعامل معه فی أثناء القراءة، وفی کیفیة تأکید ما کتبه فیه، وضبطه إلى ‏الآداب الخاصة بتألیفه  وطباعته، کل ذلک یبین مدى حرص السلف رحمهم الله على الکتب وعنایتهم بها بل أن الأمر لم یتوقف عند ذلک وامتد إلى ما بعد وفاتهم ووصیتهم بها ومن ذلک ما ورد أن أحد السلف  أوصى فقال ادفعوا کتبی إلى أیوب -وهو من أصحابه- إن کان حیا وإلا فأحرقوها ‏(الرامهرمزی ،1404، 235) مخافة أن لا تلقی العنایة الکاملة الکافیة فهی ذات مکانة فی الحیاة، وأمانة یوصی بها بعد الممات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

النتائج والتوصیات والمقترحات

النتائج

توصل البحث من خلال استنباطه للآداب التربویة لطالب العلم مع کتبه عند أبی البرکات الغزی رحمه الله إلى نتائج کان من أبرزها:

1-  أن التراث التربوی الإسلامی قد استوعب جمیع الآداب التربویة المتعلقة بعملیة التعلیم والتعلم.

2-  أن أبا البرکات الغزی رحمه الله تعرض لأدق التفاصیل فی آداب طالب العلم مع کتبه .

3-  أن آداب طالب العلم مع کتابه عند أبی البرکات الغزی رحمه الله یمکن إبرازها من خلال خمسة محاور:

 - آداب طالب العلم فی تحصیله للکتاب.

-آداب طالب العلم فی إعارة الکتاب‏.

-آداب طالب العلم فی مطالعة الکتب وترتیبها.

-آداب طالب العلم فی تحقیق کتابه وضبطه.

-آداب طالب العلم فی تألیف الکتاب وطباعته

 

التوصیات :

     بعد أن استعرض الباحث آداب طالب العلم مع کتبه عند أبی البرکات الغزی رحمه الله فإنه یوصی :

1-العنایة بالآداب الواردة فی هذا البحث والمستنبطة من کتاب الدر النضید لأبی البرکات الغزی رحمه الله.

2- ملاحظة الجوانب الشرعیة الواردة من خلال الآداب وعدم التفریط بها.

3-الحرص على العنایة بإخراج الکتاب وتنظیمه فهو مدعاة لقبوله وقراءته من الآخرین .

4-  العمل على نشر هذه الآداب فی أوساط المتعلمین، وطلاب العلم ،لتعم الفائدة.

5-  حث طلاب العلم والباحثین فی المجال التربوی بالرجوع إلى التراث التربوی الإسلامی، وإظهار ما یحتویه من علوم تربویة یحتاج إلیها هذا الجیل.

المقترحات:

یقترح الباحث إجراء الدراسات التالیة:

1-  آداب العالم والمتعلم عند أبی البرکات الغزی رحمه الله.

2-  آداب طالب العلم مع کتبه عند علماء الحدیث.

3-  الرحلة فی طلب العلم وآدابها عند علماء السلف.

 

 

 

 

 

 

 

 

 قائمة المصادر والمراجع :

أولاً: القران الکریم

-البخاری، محمد بن إسماعیل، الصحیح الجامع، کتاب الأدب، باب کل معروف صدقة .

- الترمذی، محمد بن عیسى (1437)،الجامع المختصر من السنن عن رسول الله صلى الله علیه وسلم ومعرفة الصحیح والمعلول وما علیه العمل ،دار التأصیل.

-الحازمی، خالد حامد (1421) ‏أصول التربیة الإسلامیة، دار عالم الکتب.

-ابن حبان، محمد (1420)، المجروحین، تحقیق حمدی السلفی، دار الصمیعی، الریاض .

-حجازی، اعتدال عبد الرحمن ( 2009) آداب العالم المتعلم عند برهان الدین الزرنوجی –من خلال کتابه تعلیم المتعلم طریق التعلم مجلة کلیة التربیة ،الزقازیق ع6، ص 1 – 68 .   -ابن حنبل، أحمد(د.ت)،مسند الامام أحمد ،تحقیق أحمد محمد شاکر دار المعارف، القاهرة.

-الخطیب،أحمدبن علی(1394)،تقییدالعلم،تحقیق یوسف العش،ط2،داراحیاء السنة النبویة.

-الخطیب ،أحمد ابن علی (‏‏1417‏)الجامع لأخلاق الراوی والسامع  ،تعلیق صلاح محمد عویضة، دار الکتب العلمیة، بیروت .

-الخطیب أحمد بن علی (د.ت)‏، شرف أصحاب الحدیث، تحقیق محمد سعید أوغلى.

-الدویش أیمن خالد (2013 ) آداب المتعلم عند الخطیب البغدادی من خلال کتابه الجامع لأخلاقه الراوی وآداب السامع وتطبیقاتها التربویة فی المدرسة، رسالة ماجستیر غیر منشوره  -قسم التربیة-الجامعة الإسلامیة  بالمدینة المنورة

 -الرامهرمزی، الحسن بن عبدالرحمن(1404)،المحدث الفاصل بین الراوی والواعی ،تحقیق محمد الخطیب،دار الفکر ،ط3.

-الزر کلی ،خیر الدین ،الإعلام ،دار القلم الملایین.

- أبو زید بکر، حلیة طالب العلم، مؤسسة الرسالة،د.ت.

-السعدی ،عبدالرحمن بن ناصر(1422 ) تیسیر الکریم الرحمن فی تفسیر کلام المنان،  دار ابن الجوزی، تحقیق سعد الصمیل  .  

- أبو سلیمان عبد الوهاب (‏1408)، کتابة البحث العلمی، دار الشروق، جدة.

-الصولی، محمد بن یحیى( 1431)آداب الکتاب، المطبعة السلفیة،القاهرة

- العثیمین، محمد بن صالح، کتاب العلم، تحقیق صلاح الدین محمود، مکتبة نور الهدى.

-العصیمی،معیوض عوض(1410)،اداب المعلم والمتعلم عند الامام العلموی ، رسالة ماجستیر غیر منشوره ،کلیة التربیة ،جامعة أم القرى.

- عبد الرحمن ،عبد الرؤوف یوسف( 1988 ) ‏ أخلاق المعلم والمتعلم عند أبی بکر الآجری ، رسالة ماجستیر غیر منشوره ،کلیة التربیة ،جامعة أم القرى.

-عبد الله،عبد الرحمن  ،وفودة ،حلمی ،(1408) المرشد فی کتابة البحوث التربویة ،ط5،مکتبة المنار ،مکة المکرمة.

-العکری ،شهاب الدین  عبد الحی (1414 ) ،‏شذرات  الذهب فی أخبار من ذهب، تحقیق محمود الارناؤط،دار بن کثیر .

- الغزالی /محمد (د.ت)،فاتحة العلوم ،د.ن.

- الغزی ،بدر الدین (1430)الدر النضید فی ادب المفید والمستفید، مکتبة التوعیة الإسلامیة للتحقیق والنشر والبحث العلمی،مصر,

-الغزی، نجم الدین محمد بن محمد (1418)، الکواکب السائرة باعیان المائة العاشرة،‏ ‏تعلیق خلیل المنصوری،دار الکتب العلمیة، بیروت ،ط4  .

- غفوری ،امال (1407)،العلاقات الاجتماعیة والمهنیة بین المعلم والمتعلم فی ضوء الحدیث الشریف ،رسالة ماجستیر غیر منشوره ،کلیة التربیة ،جامعة أم القرى .

-کحالة ،‏عمر رضا(1376)،معجم المؤلفین، دار التراث، بیروت.

- مکی، رحاب بنت عبد السلام (2004) آداب المعلم والمتعلم عند الائمة الأربعة وتطبیقاتها التربویة ،رسالة ماجستیر غیر منشوره ،کلیة التربیة ،جامعة أم القرى.

- النفیعی ،مطلق هلال (1955 ) آداب المعلم والمتعلم عند بعض المفکرین المسلمین ، رسالة ماجستیر غیر منشوره ،کلیة التربیة ،جامعة أم القرى.

-  ‏النماصی، بدر جزاع ( 2013 )   آداب المعلمین و المتعلمین عند ابن مفلح الحنبلی من خلال کتابه الآداب الشرعیة والمنح ‏المرعیة وتطبیقاتها التربویة ،‏رسالة ماجستیر غیر منشوره ، قسم التربیة، الجامعة الإسلامیة بالمدینة المنورة.

-هارون، عبد السلام( 1997)، تحقیق النصوص ونشرها، مکتبة الخانجی، القاهرة ،ط7.

 

Article View: 477

PDF Download: 242