العميان وتذوق الفن التشکيلي

1- مشکلة البحث :-

يشکل العميان شريحة من المجتمع بصرف النظر عن ماهية عوقهم ومرحلته الزمنية ،ولما کان الکف عاهة جسمية فلها ابلغ الأثر على سلوک الإنسان من حيث بعده أو قربه من الناس لما يشعر به من عاهة جسمية جعلته مختلفا ، وقد تناوله الباحثين بالدراسة والتحليل وشغل حيزا في الکتابات الأدبية والبحوث العلمية ، وأنتجت الأعمال الفنية على اختلاف أنواعها ومنها الرسم للأعمى التي تتخذ من المکفوف محورا للعمل الفني أو المسرحي أو السينمائي ، أو تجعله شخصية جانبية توصل من خلاله رسائل سلوکية معينة تتحدد بموجبها عاهة الکف وما تشکله للإنسان عموما ،من هنا فان کف البصر ظاهرة مجتمعية لا انقطاع لها. عولجت وتعالج فنيا وخصوصا تلک التجارب التي حاولت مزج الأعمى بالمجتمع، وهنا يجدر الاهتمام بالمصاب بالعمى وتوظيف الرسم له لکي يتذوقه بطريقة تساويه مع المبصر .

"وإذا کان کف البصر عائقاً مؤثراً أمام المصابين به نحو التوافق والاندماج الاجتماعي فأنه أکثر تأثيراً على العميان الشباب منهم نظراً لما يمثله الشباب من حيوية ونشاط وحب للاختلاط بالمحيط الخارجي خارج نطاق الأسرة "([1]). وعلى هذا الأساس شکل المکفوف مادة أدبية وفنية وبحثية ثارت شهية الکتاب للخوض في ماهيات المصابين بهذا الخلل الجسمي الذي يبعث في الغالب بعض الاضطرابات السلوکية وکيفية إيجاد طريقة ما تجعل الأعمى يشعر بالجمال من حوله لا سيما الرسم .

عليه فأن تأثير تعلمه سيکون واضحاً وملموساً في واقع العلاقات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي وسيجد نفسه موضع اهتمام الجميع ." کذلک فان الوصول بالأعمى إلى الإحساس بالجمال من حوله يطور العلاقات الاجتماعية المناسبة لقدرات وإمکانيات الکفيف يمکن أن تکون عاملاً في تخفيف المتاعب والضغوط النفسية التي يعاني منها والمتمثلة في تفکيره المستمر في عوقه وقلقه الزائد وتوتره وخوفه وشعوره بالنقص وبالتالي انطوائه وترکيزه على الذات وعزلته عن المجتمع .

ويعد التفاعل الاجتماعي السليم عاملاً مهماً في بناء وتکوين شخصية الفرد سواء کان کفيفاً او مبصراً کما أن العلاقات الاجتماعية السليمة تعد هدفاً مهماً من أهداف التطبيع الاجتماعي الذي يؤکد على إبراز العلاقة التعاونية مع الآخرين وإغفال الجوانب المادية والنفعية عن طبيعة تلک العلاقات"([2]).

وعلى هذا نجد البحث في موضوع تأهيل الأعمى للشعور بالرسم وقراءة اللوحات أمرا في غاية الأهمية والخطورة وان الطرق المبتکرة لتعليمه فن التذوق قد شغلت اهتمام الکثير من الباحثين وتعددت المحاولات لمزج الاعمى بالمجتمع من خلال الرسم وقراءة الفن في العالم الغربي ومنذ أمد بعيد لکن التجربة لم تطبق في عالمنا العربي حديثا ، وهنا يجدر التساؤل : ماهي الإجراءات المناسبة لتذوق العميان للفن التشکيلي ؟

2- أهمية البحث والحاجة إليه :-

 يذکر العلماء أن النفس البشرية تتأثر وتنفعل إما لخوف وترهيب، وإما لطمع وترغيب، وإما بسبب ثالث هو المحبة والتشويق،ففي شخصية الإنسان السليم تختلف عما هو عليه عن الأعمى الأمر الذي شغل الباحثين والفنانين خصوصا في وضع أطر معينة لشخصية الأعمى في تذوق الرسم ومنحوه جلّ اهتمامهم کونه يشکل ظاهرة ملازمة للمجتمعات ولا يکاد مجتمع يخلو من العميان لذا فإن اندماج الأعمى مع المجتمع يحتاج لجهود کبيرة على مختلف المجالات

وأهمية الموضوع تنطلق من :

شريحة العميان تشکل أهمية لو توجه الاهتمام لها فقد يتحول الأعمى الى فنان لما في شخصيته من عوامل التحدي التي تمکنه من ان يشکل ظاهرة ولو تمکن من تذوق الفن لأصبح فنانا .

الرسم هو عبارة عن شکل من أشکال الفنون المرئية التي تستلزم عمل علاقة ما على سطح ما؛ بحيث يتم التعبير عنها من خلال الخطوط، أو البقع، باستعمال أداة رسم مثل: الألوان سواء الخشبية أم المائية أم الزيتية، أو باستعمال القلم سواء الرصاص أم الفحم، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الرسوم تتنوع ما بين رسوم بسيطة، وتحضيرية، ومتکاملة

3- هدف البحث :

يهدف البحث الحالي إلى :

التعرف على طرق لتذوق العميان للفن التشکيلي .

4- حدود البحث :

• ·  الحد الزماني : تجارب الرسم للعميان في الرسم الحديث خلال الأعوام العشر الأخيرة .
• ·  الحد المکاني : التجارب المصريه للرسم للعميان ( معهد المکفوفين) .
• ·  الحد الموضوعي : دراسة طرق توظيف الرسم للعميان وکيفية التذوق الفني للأعمى في الرسم الحديث .

الإطار النظري

المبحث الأول : تاريخية الرسم للعميان :

برايل([3]) المعروف في الأوساط العالمية هو أول مکتشف لطريقة علمية من خلالها يعلم العميان القراءة والکتابة ومن خلال القراءة يمکن اکتشاف طرق أخرى منها التذوق الفني للرسم فإذا تمکن الأعمى من القراءة تمکن من سواها وتذوق من حوله صور الجمال .

وقد اطلق على اکتشاف برايل " القافة"([4]) وتسمى أيضًا طريقة بريل نسبةً لمخترعها الفرنسي لويس بريل، وهي نظام کتابة ليلية ألفبائية، کي يستطيع المکفوفون القراءة، ولذا يجعل الحروف رموزاً بارزة على الورق مما يسمح بالقراءة عن طريق حاسة اللمس.

 واستعمال الحرف البارز کنافذة للقراءة يمکن إخضاعه للعميان الأخرى ومنها الرسم وغيره إن اختراع کتابة المکفوفين قد أکمل النقص الذي کان يعانيه نظامهم التعليمي، بأن صار الطلاب المکفوفين قادرين على القراءة والکتابة کغيرهم من الأشخاص العاديين وإن اختلفت الطريقة.

يعد يوم 4 يناير الذي يوافق يوم ولادة مؤسس لغة بريل هو اليوم العالمي للاحتفاء بلغة بريل من کل عام، بحسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والمعتمد في نوفمبر 2018م.

أول من عمل على الاهتمام بالمکفوفين من حيث تعليمهم القراءة والکتابة هيلين برايل والتي سنة 1829، نشر بريل بحثا لفت فيه النظر إلى إمکان استخدام طريقته في کتابة النوتة الموسيقية للمکفوفين، کما أنه اخترع أيضا لوحا ونوعا من القلم يمکن استخدامه في الکتابة على الورق بدقة في خطوط موسيقية نقراً بالأصابع، ويبدو أن اهتمام بريل باختراع باربير يرجع إلى ما أحس به من إمکانية استخدامه في کتابة النوتة الموسيقية للمکفوفين.

من الأسبق في البحث عن الطريقة :

 قد سبق المسلمون علماء الغرب الأوربيين بهذه الطريقة في الکتابة. ففي القرنين السابع والثامن الهجريين /الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين ابتکر زين الدين الآمدي الفقيه الوراق المسلم هذه الطريقة قبل العالمين الغربيين برايل الفرنسي ومون الإنجليزي([5]).

 وکان زين الدين الآمدي کفيف البصر ومحترفا لبيع الکتب في بغداد، ولکي يعرف زين الدين الآمدي عناوين هذه الکتب وأسماء مؤلفيها وأثمانها اخترع طريقة الکتابة البارزة لهذه العناوين وتلک الأسماء والأسعار بلصق حروف مصنوعة من ورق مقوى في صورة کلمات حسب ترتيب حروف کل کلمة على کعوب الکتب التي يبيعها أو أغلفتها، وکان يدرک بيانات هذه الکتب عن طريق اللمس ببنان الأصابع. ثم استخدم زين الدين الآمدي هذه الطريقة في تعليم الصبية المکفوفين ببغداد القراءة للحروف والکلمات. وقد اعتمد في اختراعه لهذه اللطريقة للکتابة البارزة على سمة مميزة للمکفوفين وهي أن الحواس الأخرى تقوى وتحل محل البصر فاعتمد على حاسة اللمس لإدراک الحروف وترتيبها لمعرفة الکلمات والنصوص المراد قراءتها محاولة برايل :

حدث عام 1852 م - 1269 – هـ/ 1809 أي بعد خمسة قرون من محاولات العرب قام العالم التربوي الإنجليزي لويس برايل ) 1224 بمحاولة أخرى لمساعدة المکفوفين على القراءة والکتابة عن طريق النقط البارزة، ولويس برايل ، فرنسي کف بصره وهو طفل عمره ثلاث سنوات عندما کان يلعب بمثقاب الجلود الخاص بوالده ففقأ إحدى عينيه ثم ما لبث أن فقد عينه الأخرى بعد أيام قليلة نتيجة العدوى([6]).

وعاش برايل في قرية صغيرة بالقرب من باريس، ولما فقد بصره لم يمنعه ذلک من أن يتعلم مثل أقرانه المبصرين، فالتحق بمدرسة قريبة من منزلة ، وکان لويس يتميز بالذکاء والإبداع الشديد ، لکنه لم يستطع أن يستمر في هذه المدرسة لأنه لم يکن يملک المصروفات الخاصة بهذه

 المدرسة ، فسافر إلى باريس حيث التحق بمدرسة داخلية للمکفوفين ، وکانت الصدمة أمام لويس عندما عرف أن المدرسة لا يوجد بها کتب خاصة يمکن للمکفوفين قراءتها، باستثناء بعض الکتب الضخمة جدا ذات الحروف الکبيرة ، وهي غالية الثمن ، ولم يکن بالمدرسة غير أربعة عشر کتابا فقط من هذه الکتب الضخمة ، ومکث لويس على قراءة هذه الکتب الأربعة عشر ، يقرأها بصعوبة شديدة، وما إن ينتهي من قراءة جملة منها حتى يکون قد نسي بدايتها . ، مما دفعه إلى التفکير في طريقة أسرع يستطيع المکفوفون الاعتماد عليها في القراءة والکتابة ، فکانت طريقة قطاع التعليم العام برايل التي تعتمد على نظام النقاط البارزة ، التي استوحاها من طريقة کانت تستخدم من قبل ضباط الجيش الفرنسي لتقديم التعليمات للجنود في الليل لقراءتها دون الحاجة إلى أضواء وذلک بتلمس الورق بأطراف أناملهم ، وظل لويس يفکر في الطريقة التي يعدل بها هذه الرموز حتى تکون سهلة بالنسبة للکفيف([7]).

 وبعد کثير من البحث والتفکير ينظر لويس إلى المثقاب الذي فقأ به عينه ويمسک بقطعة رقيقة من الجلد ثم يکتشف الحل ، إن المثقاب الذي أفقده بصره هو نفسه الذي سيفتح به الباب أمام الملايين من المکفوفين ليتعلموا من خلاله القراءة والکتابة منذ الصغر.

 وأثناء عمله مدرسا بمدرسة للمکفوفين بلندن، ، قد لاحظ من تجربته في تعليم المکفوفين عن طريق المشافهة أن تلک الطريقة تجعل الکفيف يتعلم تعليما فيه اعتماد على الغير دون القدرة على القراءة أو التحصيل بنفسه مما يعوق في أحيان کثيرة من إبراز بعض العبقريات الفردية فابتدع برايل طريقة الکتابة البارزة لکتابة الحروف والأشارات الموسيقية بهدف تعليم الکفيف القراءة بنفسه دون مساعدة .تلک الطريقة التي سميت باسمه عام 1245 هـ/ 1829 م. وجاءت طريقته هذه أفضل من طريقة مون الإنجليزية في الکتابة البارزة السابقة عليه.

 وقد نشر برايل رسالة يشرح فيها طريقته هذه عام 1255 هـ/ 1839 م، فووجه بمعارضة شديدة في مدينة لندن -حتى في المدرسة التي کان يعلم بها المکفوفين عن طريق المشافهة- لم يواجه زين الدين الآمدي بمثلها في مدينة بغداد. ومنذ عام 1277 هـ/ 1860 م أدخلت على طريقة برايل تعديلات وإصلاحات کثيرة، فانتشرت طريقته بعد ذلک في کل مدارس المکفوفين في العالم، ونسيت نسبة الفضل الأول إلى زين الدين الآمدي العالم المسلم في ابتکار طريقة الکتابة البارزة والتي تسمى لغه برايل.

تسليط الضوء على الطريقة :

 طريقة برايل هي طريقة تتکون من عدد من الخلايا ، وتحتوي کل خلية على عمودين ، يتکون کل عمود من ثلاثة نقاط بارزة ، يستطيع الکفيف أن يقرأها من خلال تلمسها بأطراف أنامله أرقام النقاط في العمود الأول من أعلى إلى أسفل ، وأرقام النقاط في العمود الثاني من الخلية جهة -2- من الخلية جهة اليسار هي 1 6 من أعلى إلى أسفل أيضا ، ويتکون کل حرف أو کلمة أو عدد أو علامة ترقيم أو علامة -5- اليمين 4إعراب أو حرف موسيقي من تکوين خاص لهذه الحروف البارزة. ويقوم بقراءة الکتابة بعد قلب الورقة من الخلف ويمکن الکتابة بطريقة برايل عن طريق اللوح المعدني باستخدام قلم ذو سن معدني مدبب يقوم بکتابة الحروف من خلال ثقوب في الورقة بواسطة لوحة معدنية أو خشبية محفور بها عدد من خلايا برايل ، ثم يقوم بقراءة الکتابة بعد قلب الورقة من الخلف. أو آلة برايل التقليدية وهي أدوات قديمة لا تحقق طموحات المکفوفين([8]).

 أما الآن فقد حققت التکنولوجيا تطورا هائلا بالنسبة للمکفوفين من خلال التطوير في تقنيات الحاسوب الذي يقوم بتحويل الکتابة العادية إلى طريقة برايل على أسطر إليکترونية من خلال برامج قارئ الشاشة بحيث يستطيع الکفيف قراءة ما يعرضه من معلومات ومعارف بسهولة تامة.

 وقد يسرت طريقة برايل على المکفوفين أن يسجلوا مذکراتهم ويکتبوا رسائلهم ويقرءوا ما يحلوا لهم من الکتب والمجلات وأن يقوموا بإجراء العمليات الحسابية المختلفة ، کما مکنتهم من قراءة وکتابة المقطوعات الموسيقية المختلفة.

 وقد أخذ الإتحاد الدولي للمکفوفين بالعمل على دعم إنتشارطريقة برايل وتعليم المکفوفين من خلالها . وأطلق في ذلک شعاره الشهير "قارئي برايل هم القادة"([9]).

 وفي دراسة وجد أن الأشخاص الذين يتعلمون برايل في مرحلة مبکرة من العمر قد استطاعوا أن يکملوا دراستهم ، وأن يحصلوا على وظيفة مرموقة ودخل مرتفع ، کما کانت قراءتهم أکثر وذلک مقارنة بالمکفوفين الذين لم يتعلموا برايل فإنه من المفيد ملاحظة أن أسلوبه في ترتيب النقط في النوتة الموسيقية هو الجزء الوحيد من طريقته العامة.

وکان أول شيء نشر عن طريقة بريل عام 1837 أما عن طريقته بأکملها فلم تنشر إلا في سنة 1839 ومع نجاح هذه الطريقة، إلا أنها قوبلت بعدة صعوبات من القائمين بالأمر في المدارس؛ فالمدرس أو التلميذ الذي أراد تعلمها کان عليه أن يفعل ذلک خارج ساعات الدراسة الرسمية. وحتى المدرسة التي بدأت فيها طريقة (بريل) لم تستخدم رسميا إلا بعد مرور ما يقرب من أربع عشرة سنة وذلک بعد وفاة (برايل) بسنين. ولم تقبل طريقة برايل في بريطانيا إلا في عام 1869 وأما في أمريکا فبدأ استخدامها سنة 1860([10]).

 وقد عدلت هذه الطريقة بعد عام 1919 وعرفت بطريقة بريل المعدلة. أما کتابة بريل في اللغة العربية فقد دخلت على يد محمد الأنسي في منتصف القرن التاسع عشر .

 حيث حاول التوفيق بين أشکال الحروف المستخدمة في الکتابة العادية وشکلها في الکتابة النافرة. وبهذه الطريقة نقل الأنسي عددا من الکتب إلا أن هذه الطريقة لم تنتشر على نطاق واسع وبعد بذل محاولات عديدة اعتمد المهتمون بطريقة بريل لتطوير ما يتناسب واللغة العربية. وقد قامت منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة لهيئة الأمم المتحدة في عام 1951 بتوحيد الکتابة النافرة بقدر ما تسمح به أوجه الشبه بين الأصوات المشترکة في اللغات المختلفة. وقد نتج عن هذه الحرکة النظام الحالي للرموز العربية.

 وقد استفاد المختصون بطريقة برايل باللغة العربية من بحوث الدول العربية المتقدمة في هذا المجال من حيث جعل الکتابة البارزة سهلة. فقد عمل على أن تبدأ الحروف إما بالنقطة رقم (1) أو بالنقطة رقم (2) وکما عمل على أن تکون الأحرف الأکثر استعمالا في اللغة ذات عدد قليل من النقاط. ([11])

 ولذلک فالأحرف الأکثر استخداما تشکل في معظمها ثلاث أو أربع نقاط. وقد توصلت هيئات المکفوفين العربية إلى اختصارات لأکثر من مائة واثنين وثمانين کلمة من الکلمات المتداولة على نطاق واسع، وبهذه الطريقة أمکن توفير الوقت والجهد اللازمين للکتابة.

تقوم کتابة (بريل) في الأساس على ست نقاط أساسية ثلاثة على اليمين وثلاثة على اليسار ومن هذه النقاط الست تتشکل جميع الأحرف والاختصارات والرموز ومع دخول الکمبيوتر إلى عالمنا دخل نظام الثماني نقاط في نظام الکمبيوتر ليعطي مجالا لاستيعاب أکبر عدد ممکن من الإشارات والرموز، ولکن هذا النظام ظل مستخدما فقط في الکمبيوتر ولم يوسع لغيره.

أما طريقة قراءة هذه الأحرف فتتم من اليسار إلى اليمين حيث أن النقطة العليا إلى اليسار تسمى رقم 1 والتي تحتها 2 والتي تحتها 3 ثم ننتقل إلى الصف الثاني فالعليا نسميها 4 والتي تحتها 5 والتي تحتها 6 وهکذا حتى يتم استيعاب العملية من قبل الکفيف ويبدأ بالتعلم ثم القراءة والإحساس بالحرف کما هو الحال بالنسبة للإحساس بالرسم او اللوحة التي أنتجت أصلا للمکفوف کما سيأتي شرح ذلک بالتفصيل :

المبحث الثاني: التجارب العربية في الرسم للعميان :

 تؤمن الفنانة المصرية مي عماد بقدرة الفن التشکيلي على زيادة الوعي المجتمعي کونه إحدى وسائل التعبير ذات الطبيعة الخاصة، وترى أن الفن يجب أن يکون متاحا لکافة الشرائح المجتمعية دون استثناء، حتى ولو کانوا من فاقدي البصر، ولکن هل يمکن لهذه الفئة المحرومة من نعمة الرؤية أن تدرک أعمالا فنية تعتمد على تلک الحاسة دون غيرها؟ ومثّلت الإجابة عن هذا السؤال تحديا حقيقيا للفنانة ما دفعها إلى البحث والتجريب، حتى أنه مثل موضوع بحثها العلمي الذي قدّمته لنيل درجة الماجستير في کلية الفنون الجميلة في القاهرة، وهي أول رسالة ماجستير في مصر تتناول توظيف الرسوم البارزة للمکفوفين.

 وبدأت علاقة عماد بعالم فاقدي البصر منذ أن کانت طالبة في الفنون الجميلة کما تقول، حينها کانت تعمل في مشروع عن متحدي الإعاقة، والتقت أثناء ذلک بإحدى الحالات المؤثرة التي ترکت في نفسها أثرا کبيرا، وهي حالة طفل في الثانية عشرة من عمره اسمه محمد. کان محمد مصابا بحالة نادرة من الإعاقة المرکبة، فهو خلافا لفقده البصر لديه إعاقة ذهنية وحرکية وإعاقة سمعية ولا يستطيع النطق([12]) .

 وقالت إنها حين اقتربت من محمد شعرت بمدى حاجته للتعبير عن نفسه، فهو فاقد لأي وسيلة للتواصل مع العالم، ففکرت في تدريبه على الإمساک بالأقلام الملوّنة، وبقليل من التدريب بدأ محمد يخطط أشکالا على الورق وهو في قمة السعادة، وکأنه يريد أن يثبت وجوده للعالم من حوله. من هنا بدأ إصرار الفنانة على اکتشاف هذا العالم وسعيها لمساعدة فاقدي البصر على تذوق أو إدراک ما لا يستطيعون رؤيته.

 وأضافت الفنانة أن “اللوحة لها أکثر من منظور، فبخلاف الأشکال يوجد بها اللون والملمس والکتلة، ومن خلال قدرة الکفيف على استخدام حاسة اللمس بمهارة يمکن أن نطوّع تلک الأشکال بأنماط معيّنة لتتناسب مع هذه القدرة بأن نعتمد، على سبيل المثال، في تکوين اللوحة على الملمس والمساحات اللونية القوية والمتفاوتة الدرجة".

وبدأت علاقة عماد بعالم فاقدي البصر منذ أن کانت طالبة في الفنون الجميلة کما تقول، حينها کانت تعمل في مشروع عن متحدي الإعاقة، والتقت أثناء ذلک بإحدى الحالات المؤثرة التي ترکت في نفسها أثرا کبيرا، وهي حالة طفل في الثانية عشرة من عمره اسمه محمد. کان محمد مصابا بحالة نادرة من الإعاقة المرکبة، فهو خلافا لفقده البصر لديه إعاقة ذهنية وحرکية وإعاقة سمعية ولا يستطيع النطق([13]) .

تقول الفنانة: “لا بد هنا أن نشير إلى حقيقة قد لا يعرفها الکثيرون، إذ أن الغالبية العظمى من فاقدي البصر يملکون قدرا بسيطا ومتفاوتا من الرؤية يستطيعون من خلاله إدراک الظلال والتکوينات اللونية.

 وبکل أسف فإن هذا القدر البسيط من الرؤية يتراجع ويضمر مع الوقت لأنه لا يُستغل، ولکن يمکننا العمل عن طريق الفن على استغلال تلک القدرة البسيطة لديهم.

 أما عن فاقد القدرة على الرؤية تماما فيمکن أن ننتج له صورا ورموزا تعتمد على حاسة اللمس وحدها، وهو ما عملت على تحقيقه بالفعل ونجح في حالات کثيرة استطاعت إدراک ما تشير إليه هذه الصور البارزة والمصنوعة بأسلوب مخصوص ونمط معين يراعي طريقة إدراک غير المبصر للعالم”.

 فاقد البصر له طريقته في فهم العالم من حوله، فليس من الضروري أن يستوعب اللوحة أو يفهمها کما نفهمها نحن، وهو ما يتسق مع طبيعة العمل الفني کعمل إبداعي متعدّد الرؤى والقراءات ويعتمد مشروع عماد في الأساس على إدخال الرسوم البارزة في الکتب المخصّصة لفاقدي البصر من بداية المرحلة التمهيدية وحتى الجامعة، لکي يکونوا عنصرا فعّالا ومنتجا في المجتمع، وقد طبقت الفنانة ذلک الأمر بأکثر من تقنية وخامة مختلفة، وعرضته على الکثير من المسؤولين والمهتمين بذوي الإعاقة البصرية غير أنها لم تجد کما تقول أي استجابة تذکر غير الترحيب بالفکرة والتصفيق لها.

ولم تقف الفنانة الشابة مکتوفة الأيدي، بل قررت أن تخوض التجربة منفردة ودون مساندة من أحد، فکثفت من نشاطها في زيارة العديد من دور رعاية المکفوفين، ونظمت الکثير من الورش والمعارض الفردية التي اعتمدت فيها على إنتاج لوحات تراعي تلک الحالات، وکانت النتيجة موفقة إلى حد کبير.

وأوضحت عماد “لقد أدهشتني قدرة المکفوفين على التعرف على العناصر المرسومة حين بدأوا يلمسون اللوحات، وأسعدني أنهم اکتشفوا من خلالها الکثير من الأشياء التي کانوا يجهلونها. لقد کانوا من قبل لا يدرکون أشياء کثيرة وبسيطة في الواقع، رغم المحاولات التقليدية السابقة في توظيف المجسّمات، فالرسم يوفر عليهم الکثير من الوقت، کما يمکن طباعته أيضا ليکون مادة مصاحبة للکتابة بطريقة برايل".

وترى أن فاقد البصر له طريقته في فهم العالم من حوله، فليس من الضروري أن يستوعب اللوحة أو يفهمها کما نفهمها نحن، وهو ما يتسق مع طبيعة العمل الفني کعمل إبداعي متعدّد الرؤى والقراءات، ويمکننا أن نعتبر أن رؤية فاقد البصر للعمل الفني عن طريق اللمس هي إحدى هذه القراءات. وخلافا للجانب الفني يمکن أيضا توظيف تلک الطريقة کوسيلة تعليمية عن طريق تبسيط الرموز بحيث تکون مناسبة لإدراکه.

وبعد الاستعراض الذي قدمته الرسامة مي عماد لابد من استعراض سيرتها من خلال لقاء حققته مع صحيفة زهرة الخليج في عددها (67) لسنة 2017 لا والذي أکدت من خلاله رسوخ تجربتها في اوساط العميان وشرحت من خلاله بعض اللوحات التي صممتها أصلا لشريحة العميان والتي جعلت من الفنانة مي تقف في الصفوف الأمامية ممن يحاولون إخضاع الفن للعميان وتنمية التذوق الفني للرسوم .

 

الفنانة مي عماد بجانب إحدى لوحاتها للعميان في فندق فينسيا ، بيروت ، 20/ 11/ 2017

ورد في اللقاء الذي حققته الفنانة مع صحيفة زهرة الخليج حول اعمالها للعميان والدوافع الرئيسية التي قادتها لخوض هذه التجربة :

1- ما الدافع وراء اختيارک مجال الرسم للمکفوفين؟ وکيف کانت البداية؟

عندما فکرت في المشروع کان دافعي الأساسي إنسانيا قائما على کيفية جعل المکفوفين منخرطين بالمجتمع وفي مختلف مي عماد خلال معرضها الأخير ببيروت مع السفير السعودي

الأنشطة دون عزلة بسبب ظروفهم، فکم يؤلمني مثلا أن تکون هناک لوحات معروضة ولا نستطيع أن نجعلهم يرونها، وکأننا نقول لهم عفوا ابتعدوا ليس لکم مکان هنا... بينما المفروض علينا إنسانيا أن نحتويهم ونقول لهم تعالوا لتروا العالم معنا وننهض بهم باعتبارهم جزءا مهما من المجتمع لا يمکن إهماله. ولکن على صعيد الواقع، لاحظت في تعاملي معهم أنه ليست لديهم دراية بتفاصيل الواقع المحيط بهم، کشکل الشجرة أو الکرسي وهکذا، وأدهشني هذا الامر بشدة، فإذا کانوا لا يدرکون هذه الأشياء البسيطة فما بال التفاصيل الاخرى مثل العمارة والتراث وغيرها؟ فهي تتطلب معرفة أکثر، ولا يوجد لديهم کتب تساعدهم في ذلک. لذلک فکرت في إدخال رسومات توضيحية في کتب تعليم المکفوفين.

2- هل کان الطريق ممهدا أمامک أم واجهتک صعوبات؟

 طبعا لم يکن الامر سهلا في البداية، فقد واجهتني عراقيل کثيرة، لکن بالارادة والإصرار على توضيح وجهة نظري وتحقيق هدفي، تم استيعاب الفکرة. وکأي شيء جديد کانت هناک صعوبات بداية من طرح موضوع رسالة الماجستير الذي يتناول بالأساس الـ”تکتيکال جرافيکس” والرسوم البارزة في کتب المکفوفين، وعندما عرضته على أساتذتي بالجامعة اندهشوا واستغربوا العلاقة بين الفنون الجميلة والمکفوفين!وسألوني کيف يمکنهم رؤية وقراءة الرسومات، فشرحت لهم کيفية إيجاد رسم بارز لمساعدة المکفوفين في مشارکتنا عالمنا سواء بالتذوق أو حتى بالرسم، فهناک مکفوفون في العالم نجحوا في ممارسة الرسم وحققوا شهرة کبيرة وعلينا فقط أن نجعلهم يرون باللمس.

بعد الموافقة الأکاديمية، واجهتني مشکلة التکنيک، وهي تتعلق بکيفية تحويل اللون إلى مسطح محسوس وملموس وليس مرئيا فقط حتى يدرکها الکفيف ببصيرته، وهذا لم يکن سهلا من البداية، لکني تغلبت على هذه المشکلة ولو أنها مکلفة وتوصلت للأسلوب المناسب ونجحت في تطبيق ذلک عمليا في معارضي الفنية، وآخرها بمعرض بيروت حاليا بعد أن حولت لوحات المبصرين إلى لوحات يراها المکفوفون ولکن بطريقة مختلفة حيث يعتمدون على حاسة لمس البروز.

3- ماذا عن ردود أفعال المکفوفين وأسرهم لهذه التجربة؟

 منذ اللحظة الأولى التي تکلمت فيها مع المکفوفين أبدوا إعجابهم بالفکرة، وکانت ردود أفعال أسرهم إيجابية. وهم يشعرون بأهمية ما أقدمه وهو ما لمسته منهم ومن زوار معارضي الذين کانوا يأتون من مسافات طويلة اقتناعا منهم بالرسالة التي نؤديها. بل إن المکفوفين أنفسهم ساعدوني في مشروعي منهم أستاذ کفيف هو الذي کان يحول لي کلماتي للغة البريل. وقد شجعني ذلک لتطوير المسألة وقدمنا عرضا مسرحيا بمشارکتهم وهم متحمسون جدا ولديهم حب لتطوير الذات والتعلم. لکن هناک بعض المتطلبات، منها أن هذه الفئة تحتاج إلى تدريب خاص في البداية، وکلما بدأنا مبکرا من مرحلة الطفولة کانت النتيجة أفضل، لأن استيعاب الطفل يکون أقوى في تلک المرحلة. وهناک کورسات ألوان يمکن عملها لمن هم في مرحلة ضعف الإبصار الشديد لتقوية البصر، کما أن تدريب الطفل من الصغر على توظيف اللمس في إدراک الواقع المحيط يقوي لديه الاحساس والوعي، إضافة إلى أن هناک أکثر من تقنية يمکن للأمهات القيام بها مع أولادهن وکل سن له طريقة وفق ارشادات علمية. وقد صممت کتابا في مرحلة الماجستير يخاطب الفئة ما قبل رياض الأطفال وأظن أنه سيفيد کثيرا في تنمية القدرات الحسية والإدراکية.

4- برأيک هل يمکن نشر وتعميم هذا الأسلوب في کل بلادنا العربية؟

 للأسف الشديد هناک 75% من المکفوفين في بلادنا لا يتعلمون و2% منهم فقط هم الذين يواصلون تعليمهم العالي، والباقي يتسرب مبکرا من التعليم بسبب ظروفهم الخاصة بهم من ناحية، وظروف مجتمعاتنا التي لا تولي اهتماما کبيرا بهذه الفئة ولا تسعى لتوفير وسائل تأهيلهم لذلک، مکتفين فقط بتأمين طعامهم وشرابهم رغم أنهم لو اهتموا بهم وعلموهم لأصبحوا أفرادا منتجين في المجتمع، لذلک أعتقد أن مشروعي يرکز على تحقيق هذا الهدف، ولکن المسألة تحتاج عقولا متفتحة بعيدا عن الروتين الذي اصطدمت به عند التطبيق.

ما أهم الأدوات التي تعولين عليها لتحقيق الهدف في توصيل الصورة وتفاصيلها للمکفوفين؟

رؤية اللوحة باللمس:

هي نفس الأدوات التي يستخدمها الفنانون الآخرون، فأنا أستخدم خامة الاکريليک، ولکني أقوم بتوظيفها بطريقة مختلفة، فأرسم على الهواء، وهو تکنيک ابتکرته قبل مناقشة الماجستير. وأحيانا قد تکون هناک إضافات من ابتکاري ليکون اللون سميکا ويعطيني الملمس المطلوب، وهي مسألة ليست سهلة لأني اضطر لعمل طبقات من الدهانات والألوان فوق بعضها لأصل للمستوى اللمسي الذي أريده. ويمکن تحويل أي لوحة الى رسم بارز للمکفوفين، لکن الأمر يتوقف على عدة أسس وقواعد ترتبط باحتياج المکفوفين لاختصار الخطوط وتبسيطها لتعبر فقط عن المضمون المراد توصيله لهم.

إذا کان ذلک ممکنا في الخطوط فکيف يمکن تحويل الألوان إلى شيء ملموس؟

کل خط له بروز وسمک، وبالنسبة للألوان لها أيضا ملمسها الخاص بکل لون على حدة وکذلک رائحة، ولکن لا نشعر بها نحن المبصرون، لأن حواسنا الأخرى موجودة وتشغلنا، ولکن يدرکها الکفيف لأنه يکون أکثر ترکيزا بحواسهم الأخرى في تلک اللحظة. وهناک مکفوفون يرسمون بهذه الطريقة ومعروفون على مستوى العالم.

5- هل هناک أماکن معينة تمارسين فيها هذا النشاط وتطبقين فيها العلاج بالفن؟

قمت بتنفيذ هذا النمط العلاجي في العديد من الجمعيات والمؤسسات المعنية، وأشهرها مدارس النور والأمل بأنحاء مصر وجمعية رسالة الخيرية. وأتمنى أن ينتشر المشروع على نطاق أوسع داخلي وخارجي بغرض تنمية عقلهم ومواهبهم، وزيادة وعيهم ودرايتهم وثقافتهم بالعالم المحيط ودمجهم فيه، وخلق حب التعلم لديهم، وعندما نعلمهم، فإنهم لن يکونوا عبئا على مجتمعاتهم بل منتجين، لذلک أحرص على التحرک في دوائر واسعة للتعامل مع أکبر عدد من المکفوفين واختبار تمکنهم من الاحساس بهذه اللوحات.

6- ذکرت أنک تخصصت في مجال ال art therapy أو العلاج بالفن، فهل يمکن أن توضحي لنا کيف تعالجين بالفن؟ وهل يقتصر ذلک على المکفوفين فقط ؟

 أبحث دائما عن الجديد الذي يفيد المجتمع، لذلک تخصصت في الأرت ثيرابي وقمت بتطبيقه على المکفوفين، وهو يفيدهم في تفريغ طاقاتهم السلبية ومساعدتهم على فهم أنفسهم بشکل أفضل. وفي نفس الوقت قمت بتطبيقه على المبصرين أيضا من المرضى النفسيين في حالات الفصام والاکتئاب والقلق والتوترومارست عمليا في مستشفى الأمراض النفسية بالقاهرة التابعة للدولة، وکذلک في بعض المراکز الطبية النفسية المتخصصة، وذلک بعد أن تدربت بکلية طب جامعة الأزهر.

7- هل هناک مجالات أخرى إلى جانب عملک في العلاج بالفن؟

أهتم بکل ما يخص تنمية المرأة وما يجعلها قوية وقادرة على إثبات ذاتها لذلک تتنوع مجالات عملي، فإلى جانب مجال الفنون الجميلة، أعمل أيضا في تدريب البنات على اليوجا للحصول على التوازن وتحقيق الاستقرار في حياتهن کوسيلة من وسائل سيطرة المرأة على حياتها سواء الأسرية أو الذاتية.

تقول مي عماد : البصيره قبل البصر، والقلب قبل العين»... لوحات فنية تقدمها التشکيلية «مى عماد»، التى بدأت العمل فيها منذ ٢٠١٣، لمخاطبة المکفوفين، ومن أشهرها، و«لنا فى الخيال حياة» التى -على حد قولها- تعبر عن کامل عملها ومعرضها.

ويقول النص فى اللوحة: «الخيال هو تلک اللحظة التى ينتظرها الوعي، ليتحرر من الواقع بکل ما فيه». وتقول مي: «لوحاتى تحاکى المکفوفين، حتى أستطيع توصيل صوتهم ورسالتهم ويقدروا يحسوا باللوحات ديه، هدف شغلى إنى أوصل إزاى کفيف يقدر يتخيل، إزاى يقدر يحس ويلمس الواقع» يذکر أن مى حصلت على جوائز عدة من بينها جائزة «صالون الفيومية»، والتى تفتخر بها کونها تصف نفسها بالفيومية الأصيلة، کما حصلت على لقب سفيرة السلام بعد أن عرضت لوحة لها فى مهرجان السلام الدولي، الذى تنظمه artist for peace and freedom وتم عرض هذه اللوحة فى أکثر من ٢٣ دولة.

 

شکل رقم ( 1)

ومکونات اللوحة عبارة عن مادة فلينية ذات بروزات خارجية مع تلوينات براقة

ما أسفر عنه الإطار النظري :

• ·    اختراع الکتابة البارزة للمکفوفين سد النقص الذي کان يعاني منه النظام التعليمي.
• ·    الدراسة وجدت أن المکفوفين إذا تم تعليمهم في الصغر الاعتماد على حاسة اللمس فأنهم يکونون اسبق في المعرفة وفي إشغال مناصب وظيفية مهمة .
• ·    وجدت الدراسة ان هناک أنواع للعميان منهم من يکون ثرثارا في الکلام کما اثبت ذلک أفلاطون ومنهم من يرسمون صمتهم بأيديهم يخطون خطا واضحا بحس ديمقراطي وهناک عميان سياسيون لا يرون سوى رغباتهم المستبدة والطاغية .
• ·    إن الخطأ لا يکمن في العمى أو الرؤية بل في اعتقاد ما ، بأننا نرى أو بأننا عميان
• ·    إن الأعمى في اللوحة في اللوحة التي نراها يمد يده إلى الأمام لان ثمة أمام يتوجه إليه ويخطه بيديه کلتيهما.
• ·    إن اللوحة لها أکثر من منظور ففيها اللون والکتلة ومن خلالها قدرة الکفيف على استخدام حاسة اللمس بمهارة وعلينا ان نطوع هذه الأشکال بأنماط معينة لکي تتناسب مع هذه القدرة

إجراءات البحث

3-1 مجتمع البحث: تألف مجتمع البحث من أعمال الفنانة مي للأطفال بواقع (عشرة أعمال)

3-2 عينة البحث : اختارت الباحثة خمسة اعمال بطريقة قصدية وتبرر من خلال اللاسباب التالية:

1- الأعمال التي اعتمدت البروزات الواضحة التي يتحسسها الأعمى عن طريق اللمس

2- الأعمال التي تستوحي اشکالها من الطبيعة ليتحسسها الأعمى

3- کون الأعمال لها تماس مباشر ويومي بحياة الأعمى .

3-3 منهج البحث : اعتمدت الباحثة ومن اجل تحقيق الهدف المنشود المنهج الوصفي التحليلي (أسلوب تحليل المحتوى) لخمسة أعمال فنية للفنانة مي مخصصة للعميان

3-4 تحليل العينة

 

العينة رقم (1)

اسم اللوحة : لا تلمس من متحف برادو

العائدية : من أعمال الفنانة مي المصري

تاريخ اللوحة : 2015

أبعاد اللوحة (50× 50) صنعت من الفلين والقماش ببروزات يتحسسها الأعمى لمجرد ملامستها يقرأ من خلالها مضامين اللوحة وهي صورة لفتاة أجزاء وجهها عبارة عن بروزات من الفلين مغطاة بالقماش بألوان الوجه الطبيعية .

 والصورة ملتقطة أثناء قراءتها من قبل أحد المکفوفين وهو يمرر کلتا يديه على أجزاء اللوحة بدءاً من أعلى الوجه مرورا بتقاسيمه ( الأنف والعينين والفم نزولا إلى نهاية اللوحة)، أضفت الالوان على اللوحة ملمسا يتمکن من خلاله الکفيف القراءة بحاسة اللمس.

 

العينة رقم (2)

اسم اللوحة : متحف برادو

العائدية : الفنانة مي

تاريخ اللوحة : 2015

اللوحة بأبعاد (90× 90) عملت من الفلين المقوى والمغطى بالقماش ناعم الملمس والمعزز بالألوان الطبيعية ،تضمنت العينة الثانية لوحة تحت عنوان البستان من خلالها يتحسس المکفوف شکل الزهور المرسومة بطريقة البروزات الفلينية التي اعتمدتها الفنانة مي بکافة لوحاتها ، وقد ظهرت الزهور على شکل دوائر منتظمة مع سيقان ترتبط بها الزهور في تبريزات واضحة بحيث يميز المکفوف بين کمّ الزهرة وساقها وتفصيلاتها من خلال إعمال حاسة اللمس ,

 

العينة رقم (3)

اسم اللوحة : ذا ستيل لايف

عائدية اللوحة : عمل

الفنانة مي المصري

تاريخ اللوحة : 2016

اللوحة بابعاد (50 ×50 ) معمولة من مادة الفلين والقماش ومجموعة من الالوان التي اضفت على اللوحة جمالية کبيرة ، يتحسس المکفوف هذه اللوحة من خلال الحافات الحادة لها والتي تمثلت بنقش يشبه نبات " اللبلاب " الذي يدور على نفسه ومن خلال الشکل الخارجي لهذا العمل بإمکان المکفوف التعرف على طبيعته وکأن الفنانة نقشته بعناية لتوصل للمکفوف طبيعة الشکل وتداوله في عدة موجودات منزلية بمعنى أن الاطار العام تم استقاءه من الطبيعة وهي رسالة لدمج المکفوف مع الطبيعة الحياتية المعاشة .

 

العينة رقم (4)

اسم اللوحة : لا تلمس من متحف برادو

عائدية العمل : الفنانة مي المصري

تاريخ اللوحة : 2017

اللوحة بابعاد (50×50 ) وهي من مقتنيات متحف برادو تمثل مجموعة من العاملين شبه العراة والتي استفادت منها الفنانة مي واشتغلت على ايصال مضامينها الى المکفوفين باعتبار أن هذه اللوحة تمثل سعي الانسان للانجاز محققا النصر على العاهة الجسمية وقد مثل هؤلاء العاملين مجموعة من العميان حسب اللوحة يمارسون اعمالهم بشکل طبيعي .

تمثل اللوحة درسا من الدروس التي يجب ان تصل الى مجتمع المکفوفين مفادها أن الکف ليس عائقا في طريق الانجاز .

 

العينة رقم (5)

اسم اللوحة : نولي مي تانجير

عائدية اللوحة : مي المصري

تاريخ اللوحة : 2018

اللوحة بأبعاد (50×50) تمثل صورة لمريم المجدلية هي بالأساس من رسومات انتونيو رادريکو وهي من الرسومات القديمة استثمرتها الفنانة مي لتعمل من خلالها لوحة للمکفوفين ولتوصل رسالة مريم التي تناولها الرسامون في العصور القديمة والوسطى ووضعوها في اشهر متاحف العالم ، اللوحة عملت بذات المواد الاولية التي اعتادت مي استخدامها من مادة الفلين والقماش والألوان .

النتائج ومناقشتها

4-1 النتائج

• ·  من خلال متابعة الأعمال التي قامت بها الفنانة مي وجدنا أن هناک استجابة کبيرة من شريحة العميان لتذوق الرسوم من خلال الطريقة الذکية التي طبقتها الفنانة وهذا يحسب من الانجازات في مجال دمج ذوي الإعاقة .
• ·  لاقت الفنانة مي تشجيعا کبيرا من قبل المؤسسات العلمية والتي قدمت الکثير من التسهيلات لانجاز اعمال تتعلق بالعميان .

4-2 الاستنتاجات

مما تقدم نستنتج :

• ·  التواصل، الشعور بالاستقلالية والشعور بالذات، تنمية الشعور بالثقة بالنفس.
• ·  تعتبر الرسوم الملموسة (البارزة) حقلا صعباً لتعليم الأطفال المکفوفين منذ ولادتهم، ولأن الکثير من المعلومات الأساسية وکون العالَم المُبصر هو المسيطر فالمعلومات المتاحة والوسائل هي الرسومات ذات البُعد الثنائي. ولهذا أصبحت مهمة معالجة هذه المشکلة والعمل على إتاحة هذه المعلومات للأشخاص المکفوفين مهمة مستعجلة وملحة.
• ·  المقدرة على تفسير مدى العلاقة بين الأشياء المحيطة به بالإضافة إلى العلاقة ما بين الطفل وما يحيط به من أشياء.
• ·   المقدرة على تفسير العلاقة ما بين تمثيل الأشياء ذات الأبعاد الثلاثية بمفهوم الأشياء ذات الأبعاد الثنائية.

4-3 التوصيات

• ·  تهيئة بيئة تعليمية اجتماعية أکاديمية مواتية يستطيع من خلالها المکفوفون التعامل مع أقرانهم وأساتذتهم واستکمال دراساتهم الجامعية، هدف نبيل تحوطه جملة من التحديات؛ التي بتجاوزها عبر حزمة من البرامج الإلکترونية، وفريق ضخم من المتطوعين، يمکن الوصول لبيئة تعليمية تنموية تدمج ذوي الإعاقة البصرية في المجتمع التعليمي، وتحولهم إلى طاقة عاملة فعالة، لا مجرد أرقام أو عالة.
• ·  الإحساس بشريحة العميان وتنمية تذوقهم الفني من خلال الرسم لهم على أساس التجارب العالمية السائدة أو من خلال الابتکارات التي تستجد باستخدام التکنلوجيا الحديثة .
• ·  تطبيق هذا البحث بکل تفاصيله داخل العراق.

Article View: 2,390