أهمية مواکبة التطورات التکنولوجية الحديثة المرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة - کلمة الافتتاح

الثورات الصناعية من عصر الميکنة إلي الإنتاج الوفير إلي الاختراقات التکنولوجية للثورة الرقمية حفزت النمو الاقتصادي وأصبغت الرخاء علي المجتمعات. وها نحن حاليا ندخل فيما يطلق عليه عصرالثورة الصناعية الرابعة التي تفسر بواسطة الاختراقات التکنولوجية الحديثة، حيث تحدد معالمها بتضمين تکنولوجيات الذکاء الاصطناعي، التي صارت تعمل من أجل تنمية المجتمع وتحسين البيئة المحيطة والنمو الاقتصادي.  وأصبح المجتمع المعاصر في حاجة ملحة لتضمين هذه التکنولوجيات المتقدمة من أجل تحقيق أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 التي أرستها الأمم المتحدة وصارت من استراتيجيات کثير من دول العالم کما هو الحال في مصر.

وصارت تأثيرات المستقبل المدفوعة تکنولوجيا مهمة جدا کعامل حاسم للإبداع  وتعظيم الفوائد المرجوة، ومؤدية لتخفيف أي مخاطر للتکنولوجيات الناشئة، إلي جانب إمکانية التعلم من دروس الماضي،  وتحقيق فوائد الثورة التکنولوجية الحديثة المشکلة للثورة الصناعية الرابعة لا للاقتصاد فحسب بل أيضا للمجتمع والبيئة.

وحاليا يتنبأ محللو السوق أن الآلة الذکية المبرمجة للتفکير والبرهنة التي تشبه سمات العقل البشري سوف تحدث ثورة في کل نواحي الحياة البشرية في المستقبل القريب. علي سبيل المثال، يعطي أنصار قوة تکنولوجيات الذکاء الاصطناعي الصاعدة التحويلية مثالين معبرين للذکاء الاصطناعي الذين يتمثلان في بزوغ المرکبات (کالسيارات، الطائرات والسفن)  ذاتية القيادةـ وإمداد خدمات الرعاية الصحية. حيث صار الذکاء الاصطناعي يمثل حدودا جديدة لقطاع الصحة نتيجة لما يحدث في سرعة التقدم التکنولوجي الذي تفوقت فيه قدرانا البشرية لعکس هذا التقدم في إرساء سياسات سليمة ومخاطبة کثير من المعضلات الأخلاقية.

وقد واکبت تلک التطورات التکنولوجية  في بزوغ الثورة الصناعية الرابعة التي صارت قائمة علي التفکير النقدي وحل المشکلات التي أدت لتطوير کثير من التخصصات العلمية والصناعية الحالية، وجعلت رأس المال البشري القائم علي تطبيقات هذه الثورة الصناعية الرابعة الأهمية القصوي في تقدم وازدهار واستمراراية تنمية الدول التي صارت تتأقلم مع المجتمع الرقمي بتکنولوجياته وعروضه المتسمة بالتشويق والتطابق مع مواقف الحياة اليومية.

وقد أدي ذلک لإعادة تشکيل المهن ووالوظائف التقليدية للمستقبل التي يتطلب تکيفها مع متطلبات الثورة الرقمية واستحداث وظائف للتخصصات الجديدة المستقبلية التي تلبي سوق العمل الصاعدة. ومن خلال استحداث وظائف جديدة فإنها تحتاج لنوعية جديدة من رأس المال البشري المکتسبة مهارات وقدرات للتکيف مع المتغيرات المتعلقة بالتفکير النقدي والإبداعي، والتحليل الاتصالي الجيد، مع القدرة علي التعامل والتفاوض من خلال استخدام التکنولوجيات الحديثة ومواکبتها التي توضح مدي أن التطورات الرقمية المتسارعة صارت تؤکد الحاجة لکفاءات وقدرات جديدة تعمل في مهن ووظائف ومستويات مختلفة.

علي سبيل المثال، سوف تکون هناک الموسقي والفنون والسينما الرقمية؛ کما سيتم إنتاج السلع الزراعية کالفواکه والخضر والحبوب آليا  بل وحصدها آليا أيضا مما يؤدي لإنتهاء مهنة الفلاحة التقليدية الحالية؛ کما سوف تعمل کثير من الصناعات آليا.  وکل هذا يسهم في اختفاء مهن ووظائف صناعية وحرفية کثيرة ويحل محلها توظيف الروبوتات المنزلية والصناعية وتلک المرتبطة بالوکلاء الذکية المنتشرة في کثير من المجالات.  وفي نفس الوقت، کثير من مجالات الخدمات المالية سوف تختفي أيضا، ومنها مهنة المحاسب بظهور المال الرقمي؛ کما أن الخدمات الصحية والطبية سوف تتأثر بالعلاج والتشخيص الرقمي مما يجعل الطب الرقمي يعيد تشکيل المنظومة الصحية بشکل يصعب تصوره.

أي أن العالم المعاصر صار يتواجد في المنطقة التي تعتبر فيه قوي تکنولوجيا الذکاء الاصطناعي  قد نضجت للمستوي المرغوب فيه المواکب لمستقبل التقدم في الصناعة المبنية علي التکنولوجيا. وهذا التقدم يمکن إرجاعه لعوامل ثلاثة ساهمت جميعها في تمييز التکنولوجيات الحديثة المؤثرة علي  بزوغ الثورة الصناعية الرابعة التي تتمثل في التالي:

أولا تقليل تکلفة قوة الحوسبة من خلال التفکير لکل الأغراض العملية المتعلقة بالحوسبة التي تحاکي النظم لتکون ذکية عن بعد وفي حاجة لعدد کبير من أوجه الحوسبة. فمن الملاحظ أن قانون مور Moore’s Law الذي يحدد أن عدد الترنزستورات Transistors علي الدوائر المتکاملة يتضاعف کل عامين تقريبا، قد قدم قدرة حوسبية نامية في الخمسين عاما الماضية التي لم تعد کافية لعالم اليوم. ولحسن الحظ تم اکتشاف وحدات المعالجة الرسومية  GPUs وغيرها في العقد الأخير التي تمثل الرقائق المستخدمة لإنشاء الرسومات في الفيديو والألعاب وغيرها، التي صارت مناسبة بشکل کبير لتشغيل وسائل الحوسبة المتوازية الهائلة المحتاج إليها لبناء معمارية الذکاء الاصطناعي التي تعتمد عليها تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة. وقد ساهمت تلک التکنولوجيا الحديثة في  التوصل لحلول الحسابات التي کان يستغرق أداؤها أسابيع عديدة في الماضي، وصرت تستغرق مددا محودة في بناء التطبيقات التي لم تکن ممکنة بدون الزيادة في قوة الحوسبة الرخيصة التي صارت متوافرة حاليا في العقد الأخير الحالي من القرن الحادي والعشرين، وحلت محل وحدات المعالجة المرکزية  CPUs التقليدية.

العامل الثاني صار يتمثل في توافر البيانات، حيث أن الاهتمام الشديد بتطبيقات الذکاء الاصطناعي المبنية علي توافر البيانات الضخمة وتحليلاتها التنبؤية. وفي هذا السياق، ساهمت شرکات تکنولوجيا المعلومات العملاقة مثل کل من  الفيسبوک، جوجل، ياهو، مايکروسوفت، أمازون وغيرها التي استثمرت في صناعة تکنولوجيات البيانات الضخمة من خلال تعيين الباحثين الملائمبن في المجال، ووضعوا معامل أبحاثهم تحت تصرفهم للقيام بالبحث والتطوير المتطلب من قبل تطبيقات الذکاء الاصطناعي المعتمدة علي تحليلات البيانات الضخمة المتاحة لديهم بغية تقليل الجهد البشري من خلال تحليل هذه البيانات. وبذلک صارت برامج الذکاء الاصطناعي المتوصل لها  التي تجعل الآلة تحاکي قدرات الإنسان في التفکير والتعرف علي الأشياء وتقييم المواقف المختلفة بناء علي خبرات تتعلمها الآلة مع الوقت تماما کما يفعل الإنسان. وبذلک ساهمت قدرات أجهزة الحاسب والتخزين الحديثة في تطبيق  التکنولوجيات الذکية.

علي سبيل المثال اجهزة الهاتف المحمول التي صارت في أيدي کل منا حاليا تعتبر سوبر کمبيوتر مقارنة بالجيل الأول لأجهزة الحاسب الآلي. کما أن التطور الآخر الممکن ملاحظته يتمثل في توافر البيانات الضخمة المتنوعة، إلي جانب أن عملية التصوير علي سبيل المثال صارت متاحة ورخيصة جدا وفي يد کل شخص من خلال الهواتف المحمولة، مما ساهم في إنتاج آلاف الصور والفيديوهات يوميا. کما صارت الآلة تتعلم من کل هذه الصور والفيديوهات الملامح التي تميز الشخص من غيره من البشر، کما تتعلم أيضا من الفيديوهات المصورة کيف تتکلم وتتعلم من الصور المعروضة خلال حياة الشخص نفسه وکيف يتکلم ويتعلم من الصور التي يعرفها خلال حياته مما يسهم في تغيير الملامح المختلفة مع الزمن.

کل هذه البرامج الذکية ترصد حوارات الأشخاص علي مواقع التواصل الاجتماعي وتتعلم کيف يحادث البشر بعضهم  ببعض، وکيف يتجالدون في القضايا المختلفة. وعند ربط هذه البرامج الذکية بمعلومات علمية فإنها تصبح أفضل معلم وأفضل طبيب وحتي أفضل مستشار في الأمور المختلفة.  وصار السجال بين الإنسان والآلة ممثلا لمجال قديم بدءا من زمن استخدام قوة البخار بدلا من القوة العضلية للإنسان . فالحقل الذي کان يعمل به مئات الفلاحين البشر لم يعد يحتاج إلا لعدد محدود من الناس تتمثل کل مهمتهم التحکم في الآلة. کما أن سفن الحاويات الضخمة التي تجوب البحار والمحيطات لا يعمل بها إلا بضعة أشخاص وهکذا. وصارت هذه العلاقة ملزمة بالوقود اللازم لتطوير تقدم  تکنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة للأمام المتمثل في توافر وحدات البيانات لها.

العامل  التکنولوجي الثالث المدعم للثورة الصناعية الرابعة يتعلق بتوافر خوارزميات أحسن. حيث أن نوع الخوارزميات الجديدة يقع في قلب رياح تطبيقات الذکاء الاصطناعي الجديدة وسلامتها التي بدون کل من قوة الحوسبة وتوافر البيانات الضخمة (وفقا للعاملين السابقين) سوف تؤدي للاشيئ، لذلکلک طورت الخوارزميات المستحدثة کمفاجئة مبنية علي التکنولوجيا من خمسينيات القرن العشرين الماضي التي يطلق عليها الشبکات العصبية الاصطناعية Artificial Neural Networks (ANNs) التي تمثل محاولة لنمذجة الخلايا الشبکية في المخ البشري التي تتاح علي الحاسب الآلي.  وبشکل ما، فإن ذلک يمثل ترابط بينيا علي شبکة ويب الخلايا العصبية  Neurons الاصطناعية التي إما أن تکون معدومة أولا، بناء علي المدخل المتاح للخلية العصبية المعتبر مفتاح بناء هذه الشبکة العصبية عند التعامل مع البيانات المتوافرة لها. حتي أن هذه التکنولوجيا تعتبر قديمة من قدم مجال الذکاء الاصطناعي ذاته، إلا أنه في عام 2007 صارت الخوارزميات تستخدم لتدريب شبکات کبيرة في مقدرتها حل کثير من المشکلات الأکثر إهتماما. وعلي ذلک، فإن دراسة هذه الخوارزميات ساهم في إنتاج وبزوغ مجال التعلم العميق Deep Learning النابع من أسلوب تعلم الآلة  Machine Learning . وقد صار هذا التعلم العميق متضمنا عددا من طبقات الخلية العصبية المتعلقة بالشبکات العصبية.

مما سبق، يتضح جليا أن تجمعات تلک العوامل التکنولوجية الثلاثة السابق توضيحها ساهمت في ترسيخ الأرضية لثورة المستهلک والأعمال والصناعات التي تواجه الفرص  التکنولوجية المتاحة لها، والتي معظمها لم يتضح حتى الآن. هذه العوامل تتمثل في تواجد فجوة کبيرة بين الأعمال التي يمکن أن تکون وأين تتواجد حاليا فيما يتعلق ببناء کفاءة داخلية  للمنظمات والدول مع تنفيذ هذه التکنولوجيات المشکة للثورة الصناعية الرابعة. علي أي حال، صار من الضروري تقليص هذه الفجوة التي يجب التي تحافظ علي الفرضية في أن قوة التکنولوجيات الذکية الاضطرارية المشکلة للثورة الصناعية الرابعة  تعتبر مستقلة الإنحدار في مستقبل مجالاتها علي أي حال.