المحتوى الأدبي کمنطلق تحفيزي لتدريس فن الرسم والتصوير لطلاب کلية التربية الأساسية – قسم التربية الفنية بدولة الکويت

خلفية المشکلة:

تتعدد مصادر استلهام الفن ومن هذه المصادر: الطبيعة، التراث، الفن، رسوم الأطفال، والأدب بصوره المختلفة والمتمثلة في (الموضوع، الشعر، القصة، الرواية) کمثير للأشکال والأفکار الذهنية، وهذا يؤکد مقولة إدوارد مونش "أنا لا أرسم ما أراه ولکن ما رأيته"[1]، وبذلک "لم يعد المشاهد ينظر للأشکال البصرية بانتباه بقدر ما أصبح يحاول أن يدرک فکرة العمل، حيث أصبحت الأشکال تدرک ککليات"[2]. ونظراً للترابط والتشابه بين الفکر والأدب والفن من حيث العناصر، و"يشتمل الأدب على المشاهد التصويرية بالإضافة إلى اشتماله على الحرکة"[3]، وتتأکد تلک الأواصر أکثر بين الفن التشکيلي ممثلاً في فنون الرسم والتصوير، أما الأدب فيتمثل في الشعر والقصة والترانيم والروايات وغيرهم من مجالات الأدب، حيث تتشابه في "طريقة التشکيل والصياغة والتأثير والتلقي"[4]، من هذا المنطلق يتأکد دور الأدب کمثير لهذا المخزون البصري للتعبير في التصوير، حيث ييسر عملية استدعاء وتداعي الصور الذهنية ومن ثم إيجاد فکرة العمل الفني.

إن من يتأمل تلک الفنون يتلمس احتوائها على جميع العلوم التي صيغت في قالب تشکيلي ذو صبغة إبداعية يمکن استشرافها واستلهامها بما فيها من قيم جمالية وتعبيرية ورمزية، ومهارات تقنية عالية، وهي بذلک من هذا المنظور تعد مصدراً للإلهام، کما تعد أسلوباً هاماً وطريقة للتفکير، تساهم في بناء الشخصية الإبداعية من خلال الفن. وبذلک فالفن التشکيلي قبل أن يسهم في إثراء المخزون الثقافي والجوانب الإبداعية للمتذوق والدارس؛ فإنه يسهم بشکل کبير في بناء الشخصية الإبداعية فکرياً وإبداعياً؛ مما يساعد الطالب على تشکيل فکره ونمو إبداعه. وهذا يتطلب من عضو هيئة التدريس إعادة بناء ثقافاته وخبراته ومهاراته التقنية بما يتوافق وفلسفة التراث الحضاري في ظل التطور التکنولوجي الهائل، وتوظيف ذلک المخزون الثقافي والتشکيلي في إعادة بناء الدارسين فکرياً ومهارياً وإبداعياً، مما يعيد تأهيل الدارس ويعيد بناء خبراته من جديد.

مشکلة البحث:

هل من خلال الدراسة والتحليل للدلالات الرمزية للمحتوى الأدبي کمنطلق تحفيزي يمکن إثراء تدريس فن الرسم والتصوير لطلاب کلية التربية الأساسية – قسم التربية الفنية بدولة الکويت؟

هدف البحث:

يهدف البحث إلى:

-      الکشف عن جماليات تکامل العلاقة التعبيرية بين الصورة التشکيلية والنص الأدبي لإثراء الرسم والتصوير المعاصر لطلاب کلية التربية الأساسية – قسم التربية الفنية بدولة الکويت.

-      التوصل إلى منطلقات تحفيزية مستحدثة لتدريس فنون الرسم والتصوير بالکليات المتخصصة.

-      فتح آفاق جديدة للإبداع قائمة على استشراف المحتوى القصصي والفلسفي والبنائي والجمالي والقيمي للفنون ذات الجوانب الأدبية.

فرض البحث:

يفترض البحث أنه: يمکن إثراء تدريس فن الرسم والتصوير لطلاب کلية التربية الأساسية – قسم التربية الفنية بدولة الکويت من خلال الدراسة والتحليل للدلالات الرمزية للمحتوى الأدبي کمنطلق تحفيزي.

حدود البحث:

يقتصر البحث على: الدراسة والتحليل للدلالات الرمزية للمحتوى الأدبي في مختارات من الأعمال الفنية عبر العصور کمنطلق تحفيزي يثري تدريس فن الرسم والتصوير لطلاب کلية التربية الأساسية – قسم التربية الفنية بدولة الکويت.

منهج البحث:

يتبع البحث المنهج الوصفي التحليلي.

خطوات البحث:

-    إلقاء الضوء على مبررات الدراسة.

-    المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بالبحث.

-    الدراسات المرتبطة بموضوع البحث.

-    الدراسة والتحليل لجماليات تکامل العلاقة التعبيرية بين الصورة التشکيلية والنص الأدبي في مختارات من الأعمال الفنية عبر العصور.

-    التعرف على الفنانين التشکيليين الذين استلهموا النص الأدبي تشکيلياً.

مبررات الدراسة:

نظراً لما يعتري العملية التعليمية من قصور في تدريس المقررات الدراسية المتعلقة بالتربية الفنية خاصة في فنون الرسم والتصوير، مما يتطلب استحداث مداخل جديدة من قِّبل القائمين بالتدريس تفيد الدارسين في فتح مجالات جديدة للإبداع، وهذه المداخل من شأنها أن تساهم في تغيير مسار العملية التعليمية من الاستنساخ إلى الابتکار وفق أسس تشکيلية وأدبية من شأنها أن تحدث الجذب والتشويق لما يحتويه المحتوى الأدبي من فکر يثري الخيال الإبداعي لدى الدارسين.

وبذلک يمکن تحديد مبررات الدراسة: فيما يلي:

-    قصور في تدريس المقررات الدراسية القائمة على استلهام المحتوى الأدبي للموروث الوطني.

-    تحول عملية الاستلهام إلى استنساخ مباشر لنماذج ومختارات تراثية مما أفقد أعمال الطلاب الجانب الابتکاري، وتلاشي شخصياتهم، وعليه فالبحث الحالي يحاول فتح آفاق جديدة للإبداع قائمة على استشراف المحتوى القصصي والفلسفي والبنائي والجمالي والقيمي للفنون ذات الجوانب الأدبية.

-    قصور في استلهام الفکر التراثي، ونسج رموز وحکايات تنمي القدرة على الخيال الإبداعي، مستلهمة من فنون التراث الکويتي لتعزيز تدريس محتوى المقررات الدراسية.

-    القصور في تضمين الأعمال الفنية جوانب أدبية ذات مضمون قصصي يساهم في سرد عناصر العمل في تکوين فني قصصي محکم مفعم بالصور الخيالية.

وبذلک فهذا البحث يستهدف الکشف عن جماليات تلک العلاقة التبادلية بين کلٍ من المحتوى الأدبي والصور التشکيلية وتعزيز المحتوى الأدبي کمنطلق تحفيزي للعملية الإبداعية.

مصطلحات البحث:

 المحتوى: هو "کل ما يتضمن داخل الشکل بالنسبة للعمل الفني وهو أکثر اتساعاً من الشکل نفسه، فهو ليس مجرد مضمون أو مادة موضوعة في قالب، فالمحتوى شيء مختلف في حالة العمل الفني، فالشکل أو البناء أو الهيئة في الفن کلها أشياء محدودة أما محتواها فغير محدود، وعليه يکون محتوى العمل الفني غير متناهي وأکثر اتساعاً من الحدود الشکلية، حيث يشمل الجوانب البنائية والأنظمة الداخلية، والمحتوى هو الرسالة التي يقدمها الفنان أياً کانت صيغتها التشکيلية^[5].

المحتوي الأدبي: هو "ذلک المضمون الذي يتمثل في کافة النصوص الأدبية التي يمکن أن تعد بمثابة مصادر إلهام، وتتمثل في کافة مجالات الأدب من شعر وقصة ورواية، کذلک مضمون الآيات القرآنية"[6].

التحفيز: هو العملية التي تسمح بدفع الأفراد وتحريکهم من خلال دوافع معينة نحو سلوک معين، أو بذل مجهود معين بقصد تحقيق هدف ما، وعناصر هذا الهدف تمثل الدافع الذي يدفع الفرد إلي سلوک أو اتجاه معين، ويشرط فيه أن يکون قادراً علي التحفيز. والمحفز هو: الشخص الذي يقوم بعملية التحفيز، ويجب أن يکون مطلعاً على حاجات الآخرين وقادر على التحفيز، ولديه هدف يوجه إليه الأفراد، وأن تکون لديه خبرة کافية. والمتحفز: هو الشخص الذي تم دفعه للقيام بسلوک معين، ويشترط فيه القدرة والتي تعني: قدرة الشخص المؤهل، ويمکن تحسين أداؤه ورغبته في الوصول إلى الهدف وإدراکه[7].

وتتعدد وتتنوع منطلقات التحفيز: فهناک المنطلق التکنولوجي الذي يواکب التطور الحادث على الساحة التشکيلية، والمنطلق الأدبي بکافة مجالات وفروع الأدب، المنطلق التقني المتعلق بکافة الخامات ذات التعبير في الفن، ومنطلقات أخرى کالفن والتراث والفکر البنيوي؛ وغير ذلک من منطلقات من شأنها تحفيز الخيال الإبداعي وإعمال العقل وإمعان الرؤية.

الدلالة: "تشتق الدلالة من الفعل (دل) على الشيء، و(دلالة) أرشد فهو دال، والشيء مدلول عليه وإليه، ودلل على المسألة أقام الدليل عليها والدلالة وهى الإرشاد"^[8]، ويرى (بان موکاروفسکي) أن الدلالة هي: دليل على فرادة الشخصية حيث، "أن الشخصية هي سمة نوعية يمکن تبينها داخل بنية العمل، وبذلک يکون موکاروفسکي قد أحل دراسة العمل کمصدر محل دراسة مصادر العمل، هذا التحول في طريقة فهم الشخصية المبدعة طرح من جديد مسألة الوحدة الدلالية للعمل، وأطلق موکاروفسکي على هذا المبدأ الأسلوبي اسم (الإيماءة الدلالية)"[9]، "فالإيماءة الدلالية تشمل بعدى الدال والمدلول في العمل الفني بوصفه علامة، وتشير إليهما"[10]، وأن وصف الدلالة بالفرادة المبدعة ما جعل أعداء النظرية الاجتماعية يبرزون دور الفرد "وأکدوا على أن النشاط الفني هو من بين ضروب النشاط البشري أکثرها فردية وأظهرها تلقائية، وأشدها تعبيراً عن الحرية، فأصالة الذوق والإحساس هي في صميمها واقعة ذاتية، والفن ما هو إلا ظاهرة بشرية قد نبعت عن أصل فردى، وبهذا يقرر ريبو أن الفن يبدأ من الفرد ويعود إلى الفرد"[11].

ولا يتحقق لإبداع الدلالات الرمزية التميز إلا من خلال توافر قدر کبير من الحرية فإن الحرية في الفن – کاتجاه بارز يؤدى إلى فردية الفنان – هي ما يعين الفنان على تحقيق الشخصية الفنية، وفى هذا يمکن القول "أليس ما يجعل الفنان الملهم أو العبقري فناناً بمعنى الکلمة إنما هو شخصيته المستقلة وأصالته الذاتية وتميزه عن عامة الناس، وهل يکون الفنان فناناً حقاً دون أن يکون صاحب شخصية في فنه، تجعله مختلفاً عن العامة متميزاً عن غيره حتى من الفنانين، صاحب جدة وأصالة وطرافة"[12].

الرمز: "هو المصطلح الذي يطلق على الشيء المرئي والذي يقدم إلى العقل مشابهة بشيء غير واضح ولکن يدرک بواسطة ما يتصل به من ارتباطات"[13]، وهو "قدرة حتمية يتميز بها الإنسان لا الحيوان کمعادل حسى لمدرک کلى، ويتميز عن العلامة في کونه مثيراً لمعانٍ مرتبطة بالمشاعر والوجدان بما يفرضه من تصور لموضوعه المجهول نسبياً، وذلک لا عن طريق المشابهة، بل عن طريق ما يتصل به من ارتباطات"[14].

الدلالات الرمزية: يقصد بها؛ "ما يحتويه العمل الفني من معالجات شکلية وتشکيلية وبنائية وتقنية خاصة بفنان بعينه تحقق أهداف تعبيرية خاصة، يمکن من خلال تعدد ظهورها في أعمال هذا الفنان التمييز بين أسلوبه وبين أسلوب فنان آخر، ويتضح هذا التميز عندما يختلف تناول الدلالة الرمزية الواحدة بين العديد من الفنانين"[15]، ودلالة الرمز هي: "ما يمکن تأويله، أو ما يصل أو ينطبع لدى المتلقي من معانٍ تحملها عناصر العمل تشکيلياً کان أم أدبياً"^[16].

السرد في الفنون البصرية:

نشأ السرد الفني منذ القدم، کوسيلة من وسائل التواصل الجمعي، فالسرد في الأصل وسيلة اتصالية تنقل حکايات الآخرين لنا، وتنقل حکاياتنا للآخرين في المقابل، وقد سبقت الصورة ظهور اللغة المنطوقة والمقروءة، ففکرة التمثيل التصويري للقصة قد بدأت في نهاية عصر ما قبل التاريخ "حيث وجدت في فنون العصر الحجري البرونزي الأوروبي في حوض البحر المتوسط لشبه جزيرة أيبريا حيث صورت مشاهد روائية سردية للصيد أو المعارک"[17]، داخل جدران الکهوف أمدت الإنسان الأول بالقوة والجرأة للسيطرة على الحيوان بمجرد تجسيد صورته مصاباً بالسهام وکوسيلة لمساعده الغير على استحضار الصورة الذهنية لکيفية صيد الحيوان "حيث يمکن تصور وبشکل تخميني سيناريو إنسان الکهف العائد من الصيد، وهو يروى لجماعته کيف أوقع بصيده وهم ملتفين حول النار، ثم يضع بعض العلامات والرسوم على جدران الکهف لتوضيح وجهه نظره ومساعدة جمهوره على تخيل کيفية تناول الحدث"[18]، ومن هنا فقد نشأت الحاجة إلى ظهور السرد الفني البصرى واستمراره في العصور المختلفة وذلک لتحقيق عدة أغراض، ومنها:

• کوسيلة لشرح الأسلوب الذي وقع به حدث ما.
• التعبير عن شخصيات وعناصر الحدث المختلفة وتمثيلها مادياً ومعنوياً.
• التوثيق والتسجيل التاريخي لمظاهر الحياة المختلفة الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، وغيرها.
• العمل کرسالة اتصالية مرئية للجمهور وفى بعض الأوقات کوسيط لمن يجهلون القراءة والکتابة حيث يتميز السرد البصري بقدرته "على محاکاه الحدث، والحالات والشخصيات بتفاصيل دقيقة وعلى نحو قريب من الواقع بقدر الإمکان، ولکونه مرئي فإن له معدل وصول قوى للذين لا يستطيعون قراءة نص معين، ومع ذلک فإنهم يمکنهم تکوين فکرة ما عن المشاهد المرئية"[19].

شکل (1) أغراض ووظائف السرد في الفنون البصرية.

وقد ظهر مصطلح الفن السردي لأول مرة في منتصف الستينات من القرن العشرين وذلک وفقاً لدراسة روبرت آتکينز Robert Atkins في کتابه الفن يتحدث عام 1997، وبالنسبة له فإن السرد الفني هو "مصطلح شامل يمکن تطبيقه على أي فترة زمنية ويتضمن أي شکل من أشکال السرد البصرى بما في ذلک التصوير الزيتي، النحت، التصوير الفوتوغرافي، الفيديو، فن الأداء والتجهيز في الفراغ[20]، کما يعد بأنه: "فن يصور أو يحکى قصة وهو عادة ما يصف أحداثاً ذاتية التفسير لا تحتاج إلى شرح مستمدة من الحياة اليومية أو النصوص والحکايات الشعبية أو الأساطير الشائعة، في حين يوضح تشارلز إلدريدج Charles Eldredge أن بعض القصص المسرودة أو المروية في الفنون البصرية قد تکون واضحة وسهلة القراءة من أغلب المشاهدين حيث تتضمن صوراً بسيطة، في حين يتسم البعض الآخر بالتعقيد من خلال استخدام رموز أکثر غموضاً محملة بتفاصيل مشحونة بمعانٍ شخصية، وهى في الغالب خفيه ومعقده تعکس الظروف المختلفة التي أنتجت فيها، ولذلک توضح شيلينى بيمنتا Sherline Pimenta بأن عجز المشاهد عن تفسير القصة، قد يرجع إلى عدة أسباب منها الاختلافات في الثقافة أو اللغة أو السياق وأن عدم معرفة المشاهد للقصة لا يلغى جودة السرد الروائي لهذا المشهد المرئي، ولذلک فهي تعرف السرد الفني البصرى بأنه "أي مشهد مرئي ممثلاً بفکرة لإيصال قصة إلى المشاهد، يکون مؤهلاً أن يصبح سرداً بصرياً وهو يشترط وجود قصة فهي العامل الأساسي للسرد البصرى ويمکن للقصة أن تنتمى إلى نوع من الأدبيات کالقصص الخيالية أو الميثولوجيا الأسطورية أو الشعبية أو الخرافية أو الدينية"[21].

تکامل العلاقة التعبيرية بين الصورة التشکيلية والنص الأدبي في مختارات من فنون الحضارات القديمة:

تتبادل وتتوافق الرؤية الجمالية بين کل من الفنان التشکيلي والشاعر، فکما يرسم الشاعر المعنى بالکلمات، يرسم الفنان القصائد بالألوان، "فالشاعر يستطيع أن يرسم الشعر کما يستطيع الرسام أن يکتب القصائد بلا صوت"[22]، وعلى مدى التاريخ منذ العصر الحجري نلاحظ ذلک الترابط الوثيق بين الرسم والمحتوى الأدبي، ذلک المحتوى الذي تمثل في القصص الميثولوجية عند الفنان البدائي، حيث ترجم الأساطير في رسوم کانت بالنسبة له السلاح الذي يحارب به أعدائه محاولاً التکيف مع البيئة التي يعيش فيها، ثم استخدم الفنان البدائي تلک الرسوم وحولها إلى رموز وکانت تمثل" الطوطم " وهى عبارة عن مجموعة من الأشکال والرموز التي تأخذ الطابع السحري، وقد اتخذ الفنان البدائي ألوانه من الطبيعة فأخذ لون الدم وحوله إلى اللون الأحمر واتخذ الفحم کلون أسود، کما استخدم دهن الحيوانات لکي يقوم بتثبيت ألوانه على جدران الکهوف ونجح بالفعل، والدليل على ذلک أنها ظلت محفوظة حتى الآن[23].

شکل (2): من رسوم الفن البدائي. شکل (3) من رسوم الفن البدائي.

أما الفنان المصري القديم فقد رسم کافة أفکاره والمتمثلة في عقائده وأشعاره وقصصه وحکاياته وکافة مظاهر الحياة التي يعيش بها. وأقرب ما يمثل تزاوج العلاقة بين النص الأدبي والرسم لديه يتحدد في کتاب الموتى، الذي يصور المحتوى الأدبي لکافة الطقوس، وکانت أفضل الرؤى التعبيرية للعناصر المرسومة تلک الرؤى الميتافيزيقية التي هي نتاج خيال خصب فياض بالإبداع حيث ظهر أنوبيس (إله الموت) وکافة الآلهة الممثلة لحراس الأبواب، حيث اتخذت هذه الآلهة وجه حيوان ما وجسم إنسان، فآنوبيس مثلاً أخذ وجه ابن آوي –وهو أحد الحيوانات البرية من فصيلة الکليبات- وجسم إنسان، ولم يکن من قبيل المصادفة "أن تکون الحروف والکلمات في اللغة المصرية القديمة صوراً لشخصيات من الطبيعة بقدر ما هي قائمة على التشبيه والکناية، فإن لها استقلاليتها کنظام من الإشارات والرموز، وفي المقابل نجد أن الرسوم سواء أکانت مسطحة أو بارزة وکذلک المجسمات سواء أکانت معمارية أو نحتية تتبع نسقاً إشارياً ومجازياً بلغة بصرية تعني مدلولات متعارف عليها"[24]. وبذلک ظهر انعکاس الأدب على تفکير الفنان المصري القديم، نتيجة لعلاقة الشاعر بالأديب والفنان حيث کانوا يعيشون جميعهم في مکان واحد بالأديرة، "فقد احتاج الأديب إلى الفنان واحتاج الفنان إلى النصوص لکتابتها في بردياته وفي رسوم المقابر، وقد نتج عن ذلک نوع من التجانس أعطى للفن لمحة معرفية ثقافية، فالفن المصري في هذه الفترة کان فناً معرفياً وثقافياً"[25]. کما تعد کافة الأساطير المصرية القديمة صور تشکيلية بصرية للمحتوى الأدبي الخاص بها.

لقد برع المصريون القدماء في الأدب الديني الذي تناول العقائد الدينية ونظرياتهم عن الحياة الأخرى وأسرار الکون والأساطير المختلفة للآلهة والصلوات والأناشيد ومن أقدم أمثله الأدب الديني نصوص الأهرام التي سجلت على جدران بعض الأهرامات لتکون عوناً للميت في الحياة الأخرى، "أما کتاب الموتى فهو عبارة عن کتابات دينية تدون على أوراق البردي يتم وضعها مع الموتى لتقيهم من المخاطر بعد الموت، وقد اهتم الأديب المصري القديم بالظواهر الطبيعية التي رفعها إلى درجة التقديس فنسخ من حولها الأساطير الخالدة وخاصة حول الشمس والنيل، فالشمس هي نور الإله الذي لا يخبو عن أرض مصر وهى سر الدفء والحياة، والنيل هو واهب الخير لأرض مصر وهو الطريق إلى الحياة الخالدة، کما برع الأديب المصري القديم في کتابة القصص وحرص على أن تکون الکلمة أداة توصيل للحکمة وآداب السلوک وظل المصريون حريصون على رواية تراثهم من الحکم والأمثال وعلى ترديدها بأعيادهم واحتفالاتهم وتقاليدهم"[26].

أما الفنان الإسلامي فقد ترک لنا الکثير من المنمنمات التي صورت المحتوى الأدبي للمخطوطات، من هذه المخطوطات على سبيل المثال مخطوطة کليلة ودمنة، ومخطوطة منطق الطير التي صور من خلالها رحلة الطيور إلى جبل قاف للبحث عن النور.

وفيما يلي دراسة لمخطوطة ومنمنمات رحلة الطيور إلى جبل قاف، لتبيان جماليات تکامل العلاقة بين کل من المحتوى الأدبي والرؤية التشکيلية البصرية:

أولاً: المحتوى الأدبي للمخطوطة:

قصة رحلة الطيور إلى جبل قاف مستوحاة من المنظومة الشعرية (منطق الطير) للشاعر الفارسي الصوفي فريد الدين العطار، الذي عاش في نيسابور في إيران مطلع القرن الثاني عشر م. "يسرد العطار في منظومته أن طيور العالم قد اجتمعت لانتخاب ملک لها، وقد أخبرها الهدهد المعروف بخبرته وحکمته أن هناک ملکاً هو طير العنقاء المقيم في جبل قاف، ولکن الطريق إليه عبر وديان سبعة محفوفة بالأخطار، فأخذ کل طير يتذرع بأعذار لعدم القيام بالرحلة، فالبلبل لا يمکنه أن يترک محبوبته الوردة الحمراء، والببغاء مقتنعة برفاهية قفصها الذهبي، والبطة لا تريد أن تغادر مواطن الماء، ..... فکان دور الهدهد أن يفند تلک الذرائع والحجج التي تکشف لهم زيف أعذارهم ويقنعهم بإنجاز الرحلة رغم أخطار الطريق[27]. وقصة رحلة الطير إلى جبل قاف دعوة إلى النظر داخل النفس وإصلاحها، فهذه الرحلة تمثل رحلة في معرفة الذات وترمز إلى الارتقاء الروحي والتخلي عن الصفات الذميمة والتحلي بالصفات الحسنة.

جبل قاف في التراث الأدبي:

جبل قاف في بعض المخطوطات القديمة هو "جبل من زمردة خضراء محيط بالدنيا، وخضرة السماء منه، وعليه کتف الدنيا، وما وجد الناس من الزمرد فهو مما يتساقط منه...... وقاف مذکور في القرآن (ق. والقرآن المجيد) وهو –کما يقول المفسرون- أنه الجبل المحيط بالأرض، هو من زبرجدة خضراء وإن خضرة السماء من خضرته"^[28]، ويقول القرطبي في معنى "ق" أنه: "جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء اخضرت السماء منه، وعليه طرفا السماء والسماء عليه مقبية، وما أصاب الناس من زمرد کان مما تساقط من ذلک الجبل. ولعل القاف وحدها ذکرت من اسمه، کقول القائل قلت لها قفي فقالت قاف.. أي: أنا واقفة وهذا وجه حسن وقد تقدم أول البقرة، وقال وهب أشرف ذو القرنين على جبل قاف فرأى تحته جبالاً صغاراً، فقال له: ما أنت؟ قال: أنا قاف، قال: فما هذه الجبال حولک؟ قال: هي عروقي وما من مدينة إلا وفيها عرق من عروقي، فإذا أراد الله أن يزلزل مدينة أمرني فحرکت عرقي ذلک فتزلزلت تلک الأرض; فقال له: يا قاف أخبرني بشيء من عظمة الله; قال: إن شأن ربنا لعظيم، وإن ورائي أرضاً مسيرة خمسمائة عام في خمسمائة عام من جبال ثلج يحطم بعضها بعضاً، لولا هي لاحترقت من حر جهنم. فهذا يدل على أن جهنم على وجه الأرض والله أعلم بموضعها؛ وأين هي من الأرض. قال: زدني، قال: إن جبريل عليه السلام واقف بين يدي الله ترعد فرائصه، يخلق الله من کل رعدة مئة ألف ملک، فأولئک الملائکة وقوف بين يدي الله تعالى منکسو رؤوسهم، فإذا أذن الله لهم في الکلام قالوا"[29].

والعنقاء في التراث الأدبي: هي السيمرغ –لفظ أسطوري يقابله العنقاء بالعربية- ذلک الطائر الأسطوري، وهو "أعظم الطيور جثة وأکبرها خلقة تخطف الفيل کما تخطف الحدأة الفأر، وعند طيرانه يسمع من ريشه صوت کهجوم السيل أو صوت الأشجار عند هبوب الريح، وذکروا أن عمر العنقاء ألف وسبعمائة سنة ويتزاوج إذا أتى عليه خمسمائة سنة، فإذا حان وقت بياضها يظهر بها ألم شديد فيأتي الذکر بماء البحر في منقاره ويحقنها به فتخرج البيضة عنها، فيحضن الذکر والأنثى تمشى وتصيد ويفرخ البيض بمائة وخمس وعشرين سنة"[30]. والعنقاء هي "أکبر الطير جثة، وأعظمها خلقة، وأشدها طيراناً، کبيرة الرأس، عظيمة المنقار، کأنها معول من الحديد، عظيمة الجناحين إذا نشرتهما کأنها شراعان من شراعات مراکب البحر، وإذا انقضت في الجو في طيرانها تهز الجبال من شدة تموج الهواء من خفقان جناحيها، وهي تخطف الجواميس والفيلة من وجه الأرض في طيرانها، کما تخطف الحدأة الفأرة من وجه الأرض في طيرانها"[31].

المحتوى الأدبي:

وبعد مرور سبعة أيام وسبع ليال.. من البحث والتفتيش من غير منال، بدأ الشک يدب في کل کيان.. أخذت الطيور تنادي، تهتف بکل مکان.. يائسة القلوب، سقيمة الأجساد، منتفة الريش والجناح، محطمة الفؤاد.. علا صوت الطيور في بکاءٍ وصياح: هل کلامک يا هدهد أسطورة؟ أضغاث أحلام أو قصة مسحورة؟ لغزٌ طلسمٌ، سرابٌ في صحراء؟

وتستکمل قائلة: تجمعت الطيور الواهنة وقت المساء، عند ضفاف بحيرةٍ متلألئة لتروي الظلماء. وحين دنت لتأخذ قسطاً من الماء.. لاح لها بين تموج القمر والظلماء.. ظلُ طيرٍ يشبه العنقاء، يحضن في کنفه بضعة رفقاء. وعندما تمعنت الطيور في الصورة المنعکسة على وجه الماء، تجلت الحقيقة واضحة کنور السماء.. کأن حجاباً قد کُشف، فتبدد العماء، کأن ظلاً قد فني في شمس الضياء. عندئذ أدرکت المجموعة أن الرحلة الشاقة لم تکن هباء، وأنها قد وجدت ضالتها بعد کل هذا العناء.

وفريد الدين العطار قد استوحى اسم منظومته الشعرية من القرآن الکريم في سورة (النمل) التي تذکر قصة النبي سليمان وحديثه مع الطير (وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من کل شيء إن هذا لهو الفضل المبين)[32]، وتؤکد هذه الآيات أهمية تلک المخطوطة، )ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي بارکنا فيها وکنا بکل شيء عالمين)[33]، أي: الريح العاصفة تجري بأمره رخاء، )ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير([34].

وهناک العديد من الفنانين المعاصرين الذين استلهموا مخطوطة منطق الطير في الإبداع التشکيلي، من هؤلاء الفنانين إحسان خليل، وإبراهيم عبد المغني وغيرهما.

ثانياً: تکامل العلاقة التعبيرية بين الصورة التشکيلية والنص الأدبي في نماذج من فنون عصر النهضة:

ولقد تزاوج في فنون عصر النهضة المضمون الأدبي بالمحتوى التشکيلي ومثال على ذلک مولد فينوس للمصور ساندرو بوتيتشللي والمستلهم من الصورة الأسطورية المتمثلة في أنشودة هوميروس إلى فينوس أو بالأحرى أفروديت، وسط المقطوعات الشعرية التي کتبها العالم الإنساني في فقه اللغات القديمة وشاعر عصر النهضة بوليسيانو، وصور فيها حلم جوليانو دي ميدتشي بالحب وأشواقه الجمة ربيع خالد في مملکة فينوس السرمدية.

(الرقة رقت.. روح حنان رقت.. في بسمة شفة سکبت.. لمسة فرشاه تسحر.. وهواء صاف لامع ... من لوح مصقول ناصع ... يتکثف، في الثوب الريح رخاء.. عبر البحر.. وفوق البحر.. يرفرف شعر متموج ... شعر ملتو معجب.....)[35]

وهناک العديد من القصائد التي ألهمتها الموناليزا للشعراء، ويعد ذلک الوجه الأخر، حيث ألهم الفن الشعراء وکان مثير إبداعي لهم، مثلما ألهم الشعر الفنانين فعبروا من خلاله وأبدعوا أعمالاً مبتکرة، تمثل حالة إبداعية لحظية. وهناک العديد من الأمثلة التي تزاوج فيها الفن والشعر کمثيران إبداعيان. وفي الفنون الحديثة تزاوج النص الأدبي بالمحتوى التشکيلي بشکل فلسفي مفاهيمي قائم على المعني الجمالي، فقد استخدم (جوزيف تيرنر) الشعر لتحويل مسار التصوير، ويعتبر تيرنر الأب الروحي لفنون الحداثة نظراً لما أضافه من فکر وتطوير ومجالات إبداعية مستحدثة غيرت من طبيعة هذا الفن آن ذاک، ومع ازدهار أدب الرحلات، سواء على صعيد السفر أو الروايات إلى جانب ظهور النشرات الدورية، عاد تيرنر إلى بدايته الأولى کمصمم ورسام طوبوغرافي، ونظراً لعمله في الطبوغرافيا فقد کان اهتمامه بها کبيراً، وقد برز ذلک لدى تقديمه محاضرات، إن ما حققه تيرنر من نجاح ومکانة متميزة خاصة به يعود إلى اهتمامه الدائم بإعادة النظر في فنه وتجديده المستمر دون توقف. وتيرنر فنان لا يقيّم إلا بأعماله ذاتها دون أية أوجه مقارنة مع معاصريه، فهو دائم الرفض لأسر نفسه في أسلوب أو نمط محدد للوحات سواء في موضوعاتها أو تقنياتها إلى جانب المؤثرات الأخرى، لقد کان الشعر بالنسبة له وسيلة لتفسير وترکيز الفکرة، ويعتبر جوزيف تيرنر برأي الکثيرين أعظم رسّامي الطبيعة ومناظر البحر الرومانسية في بريطانيا خلال القرن التاسع عشر. لکنه اقلّ الفنانين حظّا، نظرا لان النقاد انصرفوا عنه رغم موهبته وميله للتجديد واهتموا بغيره من الفنانين الأقل شأناً وموهبةً، ومن أفضل أعماله الفنية هو لوحته "البارجة تيميرير" التي يصور فيها السفينة الحربية التي لعبت دوراً مشهوداً في معرکة الطرف الأغر وهي تسحب بعيداً عن البحر من قبل سفينة من النوع الجديد آنذاک الذي يعمل بالبخار، هذه اللوحة وغيرها من أعمال تيرنر حاول فيها الفنان تسجيل بعض مظاهر تحول بريطانيا إلى الثورة الصناعية والتغيرات التي رافقت ذلک وأثرت على وسائل المواصلات وغيرها من أوجه الحياة، "وکان تيرنر يرفق الشعر بأعماله الأولى ليقوى من مضمونها حتى لا تکون بغرض المتعة البصرية فقط"[36] ، وقد أرفق تيرنر مع عمله هذه الکلمات: "وقف الفلک راسخاً، الشمس العائدة مرة أخرى، الفقاعات الرطبة للأرض الناضحة بالماء، والتنافس للحصول على الضوء، عاکسة هيئاتها المفقودة، کل في زي من ألوان الطيف بشير، الأمل يبقى أياماً قليلة.. ثم يمضي سريعاً کذبابة الصيف التي ترتفع، تطير سريعاً، تنبسط، وتموت[37].

ثالثاً: تکامل العلاقة التعبيرية بين الصورة التشکيلية والنص الأدبي في مختارات من الفنون الحديثة:

لقد تنوعت وتعددت الأمثلة التي استلهمت مضمون النص الأدبي في الإبداع التشکيلي في فترة الفن الحديث وما بعد الحديث، ومن الأمثلة التي تحمل طاقات تعبيرية (الصرخة لإدوارد مونش)، و(الزرافة تحترق لسلفادور دالي) وفيما يلي توضيح لهذين النموذجين:

أ: الصرخة: جمعت روح الصداقة بين التعبيري (مونش) ورائد التعبيرية في المسرح الحديث (أوجست سترندبرج) ولقد کان ميلهما للتعبير متجه حول إيجاد معادل رمزي للتعبير عن (الحب والمرض والموت) مما جعل فنه يتسم بطابع عصبي هستيري، ولقد ألهم عمله الصرخة الشاعرة (مارجوت شاربنبرج margot Scharpenberg) فکان ديوانها (آثار) الذي أصدرته دار النشر جيليس وفرانکه في مدينة دويسبورج عام 1973، وتقول فيه[38]:

ب: الزرافة تحترق: إحدى أعمال السريالي المبدع سلفادور دالي، وقد رسمت عام 1935، وقد ألهم هذه العمل الشاعر (بييت برشبيل 1939-؟) فکتب ديوانه المستلهمة قصائده من أعمال أخرى لفنانين عدة، وأطلق عليه اسم (الصور وأنا) عام 1968م، وتحمل القصيدة المعنية اسم (الزرقاء المحترقة)[39]، ويقول فيها: نسختان من امرأة.. صحراء إفريقية.. سماء ربيع إسبانية.. جبال بابل، إنسان السونا.. الزرافة التي تحترق متوهجة.. وتنتظر في هدوء.. حتى تلتهم النار مراعيها البرية وسماواتها.. هذه لحظات تمتد إلى السنوات.. على الحياة شبيهة بخيمياء[40].. أحد مؤسسي الديانات.. أو حياة في الجحيم... کثيراً ما أتمنى أن أحتفظ معي بالزمن.. کما أحتفظ بيقين الموت..کزرافة محترقة.. مختلجة بالذکريات.. (إلى آخر القصيدة).

ولقد ألهم هذا العمل صالح الغازي أن يکتب کلماته والتي بعنوان (الزرافة المحترقة - من “غرنيکا” إلى “غزة")[41]في 30 يناير 2009م، والتي يقول فيها:

السرد القصصي کمصدر للإثراء العملية التعليمية:

ومما سبق يواجه معلم التربية الفنية في کافة المراحل التعليمية حتى التعليم الجامعي العديد من المشکلات التي تتطلب البحث الميداني لطرح الحلول التي من شأنها الارتقاء بالعملية التعليمية، وتدريب الدارسين على التفکير والإبداع، لمعالجة قصور المقررات والتقنيات والمهارات التي يعاني منها الدارسين. ويمکن دعم مجال التربية الفنية في کافة المراحل الدراسية بأوعية ومحتويات المقررات الأخرى، ففي المقررات الدراسية في مراحل التعليم قبل الجامعي تتضمن الدراسات الاجتماعية القصص والبطولات التاريخية؛ وأحداث تاريخية معاصرة ترتبط بمتن المقرر، کما أن التربية الدينية تتضمن قصصاً قرآنياً؛ وقصصاً دينياً يتضمن قصص الأنبياء؛ حافلة بالصور الإبداعية، کذلک اللغة العربية بما تتضمنه من صور بلاغية وأدب وحکم ونصوص شعرية وقصص شعبية تفيد في إثراء الإبداع وتنمية القدرة الخيالية لدى الطلاب کما تعزز القيم الوطنية والانتماء تجاه الوطن، وهناک مادة العلوم بما تشمله من تجارب وتفاعلات وأجهزة الجسم الإنساني والخلايا وأشکالها، وکل ذلک من شأنه تنمية العمليات العقلية وإثراء الصورة الخيالية ومفهوم الشکل لديهم، وإثراء الخيال العلمي، ويکسبهم المهارات والتقنيات القائمة على التجريب، ويساعد في إعمال العقل على الإبداع.

وفي التعليم الجامعي تعد جميع المداخل السابق ذکرها مداخل ثرية للاستلهام ويمکن الاستفادة منها في تحفيز العملية الإبداعية فهناک المدخل الأدبي، والتقني، والفن، والتراث، والطبيعة، والمدخل البنيوي المتعلق بأصول العلوم وامتداداتها لمجالات الفن التشکيلي، وبذلک تتنوع وتتعدد المثيرات والتي تعد مصدراً هاماً للاستلهام، ومن تلک المثيرات التي يمکن الاستفادة منها: المحتوى الأدبي؛ الذي يتنوع بين الشعر والقصة بأنواعها المختلفة ومضمون الترانيم الفرعونية والآيات القرآنية، ومحتواهم الفکري، وغيرها من المثيرات ذات المضمون الأدبي، وتلک المثيرات من شأنها أن تفسح الخيال الإبداعي لدى الطلاب، کما تعد بمثابة قنوات إبداعية مستحدثة ومصادر للاستلهام للجانبين -التشکيلي والأدبي- فکلاهما يستقي من الآخر بل ويعد مصدر إلهام له.

وعلى المستوى التشکيلي؛ نجد الفنان دائم البحث عن مصادر جديدة تثري الأشکال والأفکار، فنجد من استلهم الطبيعة أو التراث أو الفن أو رسوم الأطفال والفنون الأفريقية أو أسلوب فنان معين، وهناک من استلهم الأدب بصوره المختلفة والمتمثلة في (الموضوع، الشعر، القصة، الرواية،...) کمثيرات تحفيزية للأشکال والأفکار الذهنية، ويتغير المنتج الفني تبعاً لتغير مثيرات الإبداع التي تؤثر على المتلقي والمتذوق نظراً للارتباط بين المشاهد والعمل الفني أو الفنان أو کليهما، وبذلک "لم يعد المشاهد ينظر للأشکال البصرية بانتباه بقدر ما أصبح يحاول أن يدرک فکرة العمل..... حيث أصبحت الأشکال تدرک ککليات"[42]، تمثل الوحدة العضوية؛ التي تعنى "استحالة حذف أو إضافة أي جزء إلى العمل الأدبي متى نضج واکتمل: أي أنه يتحتم أن يکون لکل جزء أو خلية أو عنصر وظيفة عضوية، ومن ثم يختفى کل ما هو زخرفي في العمل الأدبي، وعلى هذا تعتمد العلاقة بين الجزئيات أو الخلايا المکونة للعمل على عنصر التأثير والتأثر بالتبادل، أما الزخارف الأدبية فمن شأنها إصابة العمل بالنتوءات والزوائد أو بالفجوات والثغرات، وهذه کلها عوامل من شأنها تشويه جماله أو تشتيت حيويته"(3)، من هذا المنطلق يتأکد دور الأدب کمثير لهذا المخزون البصري للتعبير في التصوير، حيث ييسر عملية استدعاء وتداعي الصور الذهنية ومن ثم إيجاد فکرة العمل الفني، وتتبادل وتتوافق الرؤية الجمالية بين کل من الفنان التشکيلي والشاعر، فکما يرسم الشاعر المعنى بالکلمات، يرسم الفنان القصائد بالألوان، "فالشاعر يستطيع أن يرسم الشعر کما يستطيع الرسام أن يکتب القصائد بلا صوت"[43]. والمتابع لأوجه تکامل العلاقة التعبيرية بين الصورة التشکيلية والنص الأدبي، يلاحظ امتداد تلک الأواصر منذ فنون الحضارات القديمة وحتى الآن، وقد استلهم الکثير من الفنانين المعاصرين ذلک الفکر في إبداعهم منهم على سبيل المثال الفنانين: جورج فکري، ومها جورج، وعماد لمعي، وعادل ثروت، وأيمن السمري، وسعد العبد، وغيرهم.

ومع تطور فن السرد البصري التشکيلي وانتشاره "امتد إلى فناني الکويت فساهم في تشکيل إبداع بصري يتسم بالتفرد والقيم الجمالية، "فالفنان التشکيلي الکويتي ينقل الواقع ويعبر عن الأشخاص في أصالة لعاداتهم وتقاليدهم، کما يعيد صياغة الطبيعة بصورة مبسطة ومتواضعة، وفي أعماله الفنية في تصوير حياة المجتمع فإنه يحدد لنفسه تقنية اللوحة بحيث تکون معادلة للمنظر الذي أمامه"[44]، وهو في ذلک لا يتخلى عن المضمون القصصي الذي تصوره أعماله، "ولا ننسى دور البيئة في تأثيرها بتنمية الإحساس الجمالي لدى الإنسان، ويرجع الاختلاف في الإنتاج حسب تاريخها وبعدها الاجتماعي والبيئة الشعبية التي ينمو فيها الفنان ويتعايش معها، ...... والتراث بما يحمله من تداعيات فکرية وفنية تقدم للأجيال المتعاقبة عليه سجل مکتوب أو مصور يحمل المضامين الفکرية والفلسفات التي کانت قائمة أو حالية ويقدم الحلول لمشکلات مختلفة قديمة أو حديثة باعتباره منهجاً اقتدى به السلف"[45]، فالتراث علمة والکويتي على وجه الخصوص هو السجل الذي يحمل بين صفحاته صور الحياة بما تتضمنه من حکايات تصور طرائق الحياة المختلفة للإنسان، فالحرکة التشکيلية في الکويت تطرقت لعدة جوانب يتأصل فيها الماضي والحاضر، فالبيئة الکويتية القديمة بتاريخها الحضاري والأدبي ورموزها المعبرة قد هيمنت بشکل کبير وواضح على فکر الفنان وعاطفته وشکلت إبداعه الجمالي.

وفيما يلي عرض لمختارات من أعمالهم في مجال التصوير والتي تصور الموروث الوطني، والحياة اليومية الخاصة بالمناسبات الشعبية، ومعاناة وقهر الإنسان، ويعد "الفنان سامي محمد من الفنانين العرب القلائل البارزين الذين عبروا عن القضايا المجتمعية بأعمال فنية تتنوع بين فنون النحت والرسم والتصوير، ولقد کان شغله الشاغل خلال مساره الإبداعي التعبير عما يحمله الإنسان من هموم ومعاناة تثقل کاهله، فصوره وهو يحمل الأثقال کرمز قوي ومعبر عن المعاناة التي انحنى معها ساعده، لقد نجح سامي محمد في التعبير عن تلک المشاهد التي تصور القهر والمعاناة لطبقة عريضة من المجتمعات خاصة المجتمعات العربية، ولقد تعادل تعبيره عن تلک الحالات في فنونه المختلفة التي عبرت عن حالات المعاناة والقهر المجتمعي"[46]، أما الفنان عبد الله القصار والذي عرف بشاعر السواحل الکويتية "فقد شق طريقه إلى الفن، وتوجه لدراسة البيئة الکويتية بمعناها الواقعي، وذلک للتأکيد على الهوية وأصالة الموضوع، وتجلت براعته في رسم مجموعة من الأعمال التي استوحاها من العادات والتقاليد، والبيئة البحرية وبشکل خاص السواحل الکويتية، التي تعد المصدر الأساس في تجربته الفنية، حيث رسم بأسلوبه الخاص مختلف الموضوعات المرتبطة بتلک الحياة"^[47]، أما الفنان عبد الرسول سلمان والذي لقب بحارس الخيال والمبشر بالجمال فقد "استلهم معطيات بيئته البحرية على الخصوص فکانت توظيفاته لأشکال وهيئات حروفية على شکل شرائط في فضاءات هي الأخرى موحية بشطآن وسواحل واحياناً أعماق بحرية، إلا أن هذا الاهتمام أخذ يتحول إلى اهتمامات غير بعيدة عندما اتصفت لوحاته باستلهامات محلية من الأبواب والألبسة والأزياء التقليدية والسدو وغيرها ومعها ثبت عبد الرسول مع ذلک طريقته التلوينية وتقنياته الخاصة التي واصلها في تجاربه اللاحقة عندما رسم عن حرائق النفط التي ترکها احتلال العراق لبلده، إلا أن هذا التوجه وان مثل مرحلة أو شهادة لزمن ما إلا انه توجه إلى صيغ مستحدثة على مستوى تجربته عموما، فقد تجردت عناصره وانحلت إلى مساحات أنيقة يتبادل اللون والشکل فيها جماليات التکوين والتلوين، اهتم الفنان مبکرا بالشأن التشکيلي الخليجي فکان مشارکاً في عدد من أنشطته المبکرة ابتداء بالأسابيع الثقافية التي أقيمت في اليابان أو فرنسا ثم الف کتابه عن: الفن التشکيلي في دول مجلس التعاون الخليجي، وفي وسط الثمانينيات کان اکثر المتحمسين والعاملين لقيام جماعة أصدقاء الفن التشکيلي الخليجي التي طافت عددا من دول العالم"[48].

أما الفنان محمد الشيخ الفارسي والذي اهتم بالتعبير المباشر عن قضايا المرأة بما تحمله من مکنونات وقصص وحکايات، فقد عمد إلى توثيق مفردات التراث بما يصوره من قصص وعادات وتقاليد، فنسج بينه وبين عناصر نسائية تعبر تعبيراً مباشراً عن البيئة الکويتية بخصوصيتها الإبداعية.

نتائج البحث:

1. السرد القصصي أحد جوانب المحتوى الأدبي والتي تحفل بالعديد من الصور الإبداعية التي تعد مصدراً ثرياً للاستلهام.
2. يعد المحتوى الأدبي مصدراً ثرياً للاستلهام وأحد القنوات الإبداعية لتعليم الفنون في کافة مراحل العملية التعليمية.
3. تتسم فنون الحضارات بالعديد من المضامين الأدبية والصور البلاغية التي تثري الإبداع التشکيلي.
4. القصص الدينية حافلة بالصور الخيالية التي تنعکس على العملية الإبداعية وتعد أحد مصادر الاستلهام.
5. المحتوى الأدبي يثري مخيلة الدارسين والفنانين على السواء، فهو مصدراً ثرياً للإبداع على کافة المستويات التعليمية والإبداعية.
6. الفن التشکيلي الکويتي حافل بالسرد القصصي حيث يعبر عن خصوصية البيئة الکويتية.

وتتحدد توصيات البحث فيما يلي:

1. دعم المقررات الدراسية بما يعزز قيمة المحتوى الأدبي کمصدر للاستلهام في کافة المراحل التعليمية في التعليم الجامعي وقبل الجامعي.

2. المزيد من الدراسات والبحوث حول أهمية المحتوى الأدبي في البرامج التعليمية.

3. المزيد من الدراسات حول الأعمال الفنية التي تضمنت جوانب أدبية ذات مضمون قصصي أو فکري يسهم في سرد عناصر العمل في تکوين فني محکم.

1. دراسة تحليلية لمختارات من أعمال الفنانين المستلهمة من المحتوى الأدبي وتعزيز العملية التعليمية بما تتسم به من قيم تعبيرية وفنية وجمالية.
2. المزيد من البحوث والدراسات حول الأعمال الفنية للفنانين الکويتيين التي تضمنت على السرد القصصي.